أيها الإخوان: احملوا همَّ الدعوة – بقلم: د.محمد بديع – المرشد العام
إخوتي، وأخواتي، أحبابي في الله. نستكمل حديثنا من القلب، وأسال الله أن يصل إلى القلوب؛ لأن هذه القلوب إذا تآلفت وتحابت في الله، وأحدثت فيها هذه الكلمات انتشارًا لهذا الخير؛ نضَّر الله هذه الوجوه التي تحمل مقالات وأحاديث رسول الله ﷺ، «نضر الله وجه امرئ سمع مقالاتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع»، «بلِّغوا عني ولو آية». هذه أوامره ﷺ، فكل الخير الذي تحملونه وتنقلونه إلى غيركم لكم أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، فهذه النصائح، وهذه الوصايا نحملها من رسول الله ومن سيرته إلى الأمة جمعاء، نحمل هذا النور، وهذا الخير إلى كل الدنيا لتنتفع به.
حديثنا اليوم عن موقف من المواقف التي نعيش مثلها في هذه الأيام، نواجه أزمات، ومشاكل لا نجد لها حلاًّ، لكن الله عز وجل الذي أراد أن تحدث يعلمنا بها بعلمه وحكمته درسًا يريدنا أن نستفيد منه.
نزل الوضوء، ونزلت الصلاة، وعلَّمها جبريل حبيبنا محمد المصطفى ﷺ، وبقي أمر واحد، وهو لم ينزل الأذان.
أولاً: ما الذي حدث؟ عرف الصحابة رضوان الله عليهم الوضوء والصلاة، وتوضئوا، وصلوا مع رسول الله ﷺ جماعة، وجاء قوم بعدهم فوجدوا رسول الله قد صلى فحزنوا.. تمنوا لو كانوا قد عرفوا موعد قيام صلاة الجماعة ليحضروها مع رسول الله ﷺ.
نعم؛ الأذان إعلام بالوقت، ولكن ليس فقط إعلامًا بالوقت، ولكنه إعلام بأن هنا ستقام صلاة جماعة لهذا قال ﷺ: «من أذن فليقم»، أما بقية المواعيد يمكن أن نتعرف عليها بالشمس، والنجوم، وضوء الفجر، والشفق، والظل، هذه العلامات تعرَّف بها الصحابة على مواعيد الصلاة، ولكن الذي أحزنهم أنهم قد أتوا فوجدوا رسول الله قد صلى جماعةً .. فصلوا هم جماعة بعده، وليس أمامهم محمد، ما الذي أحزن عبد الله بن زيد، وقد صلى خلف رسول الله؟ أحزنه أن إخوانه لم يصلوا، ولم ينالوا الخير الذي ناله فتألم، وتأثر هو وبقية الصحابة فاعملوا عقولهم، وفكرهم، واقترحوا على رسول الله أن نستخدم البوق؛
لنعلم أن هنا ستقام صلاة الجماعة، فرفض رسول الله، وقال: «هذا تشبه باليهود»، فاقترح بعضهم أن نضرب الجرس لنعلم بمكان وموعد صلاة الجماعة، فرفض رسول الله وقال: «إنهذا تشبه بالنصارى»، فماذا نفعل في حل هذه المشكلة يا رسول الله قال لهم: «لا أعلم». إذن هناك أمر قدري أجَّل الله عز وجل به نزول الأذان، ولم ينزله مع الوضوء، ومع الصلاة، فهذه حكمة يعلمها الله، غيَّبها وأخفاها لحكمة يريدها، وهي أن نحمل هَمَّ بعضنا، وهَمَّ دعوتنا وهَمَّ أمتنا.
ثانيًا: المشكلة أعمل الصحابة رضوان الله عليهم فيها عقولهم، واقترحوا اقتراحات رُفضت من رسول الله ﷺ، إذًا يا رسول الله هل عندك حل آخر أفضل من هذين الاقتراحين؟.. قال: «لا»، إذن هناك مشكلة لا يوجد لها حل عند رسول الله، وعندما فكرنا في حلول وجدناها غير مقبولة شرعًا.
ونحن الآن عندما تحدث لنا مشاكل نقول: لو كان بيننا رسول الله لسألناه ولأعطانا الحل بالأمر فورًا.
لا يا أخي ويا أختي هذه مشكلة كان حاضرها رسول الله، ولم يكن عنده حل لها، فماذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم حملوا الهم، وباتوا يبكون، يتألمون، ويتحرقون شوقًا لأن تحل هذه المشكلة ليس من أجل من صلوا خلف رسول الله، ولكن من أجل إخوانهم الذين حُرموا من الصلاة خلف رسول الله.
فيا من تحملون هذه الدعوة، وهَمّ هذه الجماعة، وهَمّ هذا الدين، وتحملون هَمّ إخوانكم، ولا تجدون لهذا الهم حلاًّ، ولا حتى عند رسول الله.. الجئوا إلى ربكم، وتعلموا كيف تشكون إليه بَثكم، وحزنكم ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ (يوسف: من الآية 86)، الله يعلم ما يجيش في نفوسنا، وهو يعلم ما يكابده عبد الله بن زيد، هذا الصحابي الجليل، لا أحد يعرف أحد عنه غير هذا الحديث حديث الأذان، إلا أن رب العزة وحده يعرف أن هذا الشاب يحمل هَمّ دعوته وإخوانه والصحابة، وهَمّ دينه، وهَمّ هذا الأذان الذي لم ينزل بعد.
لو جاءه هذا الأذان، وهو متيقظ لقال جاءتني فكرة، وذهبت بها إلى رسول الله ﷺ، لم يرد الله عز وجل هذا بل والعقل نائم، والمخ معطل لا يتحرك إلا لما ليس فيه إرادة، هذا العقل وهذا المخ – وهو نائم – جاءه في الرؤيا، رؤيا الأذان كاملة، فقام واستيقظ من نومه، وذهب بها إلى رسول الله ﷺ فاعتمدها، ولكنه قال له شيئًا مهمًّا جدًّا.. ليس صاحب الاقتراح، أو صاحب الفضل في الرؤيا لا بد أن يقوم هو على تنفيذ ما جاء به، انظروا.. أن تسلم ما عندك من رؤى واقتراحات إلى قيادتك الممثلة في رسول الله، وهو الذي يقول من يقوم بالتنفيذ، قال له اذهب بها إلى بلال؛ لأن هناك مصلحة عامة للمسلمين فهو أندى منك صوتًا، فهذا اختيار القيادة.
انظروا إلى شيء آخر، فبعد برهة جاء عمر بن الخطاب، وهو من هو، جاء ليؤكد رؤيا عبد الله بن زيد، ولو حدث العكس لما عرف أحد برؤيا عبد الله بن زيد؛ لأنه قد جاء بها عمر قبله، لكن الله الذي يريد إعلاء شأن هذا الشاب الذي حمل هَمّ دعوته، وجماعته، وهَمّ إخوانه، والمسلمين أكرمه الله أن يذكر مع الحديث الذي فيه الأذان، فكانت هذه جائزة له، ويأتي عمر بن الخطاب، وهو من هو، ليؤكد رؤيا عبد الله بن زيد .
لهذا يكون في هذا الأمر، وهذا الترتيب الرباني في تتابع الرؤى بهذا التاريخ، وهذا الوقت التأريخي رفعة لشان عبد الله بن زيد، ويظل لعبد الله بن زيد مكانته عند ربه عز وجل الذي عرف حمل همه لهذا الدين، وهذه الجماعة، وهؤلاء المسلمين، ويظل المسلمون يعرفون لهذا الشاب قدره، بل عندما يسمعون الأذان في كل أذان يقولون هذه جائزة لمن حمل هَمّ دينه، وهمّ المسلمين، ولم يجد لهذا الهم حلاًّ، ولا حتى عند رسول الله.
فكونوا على نفس الدرب، احملوا الهم، واشكوا بثكم وحزنكم إلى ربكم، وهو الذي يعلم سركم، ونجواكم، وهو الذي يرى مكانكم، ولا يغيب عليه شيء من أمركم، «إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، ولا يخفى عليك شيء من أمري»، ناجوا ربكم بهذه الكلمات التي قالها رسولكم ﷺ، ونفذوا هذه الوصية بأن تلجئوا إلى ربكم فسوف يفيض عليكم من فضله وكرمه ومَنّه وجُوده ما يحل به مشاكلكم، والله عز وجل معكم ولن يتركم أعمالكم، وتذكروا هذه الهدية عند سماع كل الأذان، وهذا خير وفضل من الله عز وجل لهذه الأمة، ولشباب هذه الأمة، ولمن يحمل هم هذه الأمة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.