
التربية طريق النهضة (2)
- zadussaerinweb@gmail.com
- ديسمبر 14, 2019
- التربية الدعوية
- 0 Comments
التربية طريق النهضة (2) – بقلم: الدكتور محيى حامد
العملية التربوية:
عندما يتطرق الحديث عن التربية كطريق للنهضة لا بد أن نتعرض لمكوِّنات العملية التربوية وخصائص منهج التربية عند جماعة الإخوان المسلمين التي سارت عليها منذ نشأتها حتى وقتنا الحالي، والتي أثمرت لنا بفضل من الله نماذجَ فريدةً على مرِّ الأجيال، استطاعت أن تحمل هذه الدعوة رغم الابتلاءات والمحن التي تعرضت لها خلال عقود من الزمن.
أولًا: خصائص العملية التربوية
من أهم خصائص التربية التي تميزت بها جماعة الإخوان المسلمين وكان لها عظيم الأثر في تنشئة أجيال متعاقبة ذات صفات مشتركة وسمات متميزة نذكر منها أنها:
1- ربانية: فمن خصائص تربيتنا أنها ترتكز على عملية إيقاظ الإيمان، وتتميز عملية إيقاظ الإيمان عندنا بأنها مستمدة من الكتاب والسنة وموافقة للفطرة الإنسانية، وأنها عملية مستمرة لا تنتهي، وإنما تعمل على اكتساب مستمر للخبرات الإيمانية التي تؤثر في الوجدان والسلوك، وعماد التربية الربانية هو القلب الحي الموصول بالله تبارك وتعالى، الموقن بلقائه وحسابه، الراجي رحمتَه، الخائف من عقابه؛ من أجل هذا عملت التربية الإخوانية على إحياء القلوب وعمارتها.
2- شاملة متكاملة متوازنة: فالتربية الشاملة المتكاملة المتوازنة نابعةٌ من تكامل منهج الإسلام في إمداد الإنسان المسلم بكل الجوانب اللازمة لصلاح حياته، وكذلك نابعةٌ من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي وتكامله وتوازنه، فنحن لا نرضى بالإسلام إلا شاملاً كاملاً، وكذلك تناسق التكوين واتزانه معرفةً وتصورًا عقليًّا وروحًا ووجدانًا قلبيًّا وتصرفًا وسلوكًا حركيًّا.
3- متدرجة: وهذا ينبع من إيماننا بأن التدرج سنةٌ من سنن الله في الكون فإن «المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى».
4- تجميعية تنظيمية: فتربيتنا تربية تجميعية، كما أن هذا التجميع يلزمه تنظيم حتى تؤتي هذه التربية الثمرةَ المرجوَّةَ منها، وهذا الأمر له أصلٌ في سنة الرسول الكريم ﷺ ففي بيعة العقبة الثانية يقال إن أهل العقبة كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأتين أو ثلاثةً وسبعين رجلاً وامرأتين، فماذا قال لهم رسول الله ﷺ؟! قال لهم: «أخرجوا منكم اثني عشر نقيبًا» وقال لهم ﷺ: «أنتم كفلاء على قومكم» إنه النظام في العملية التربوية «ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (حديث حسن).
5- حركية: التمكين لفكرتنا والوصول بها إلى واقع الحياة مطلبٌ عزيزُ المنال، وقد يتطرق اليأسُ إلى القلوب لولا الخاصية الحركية لتربيتنا، فهي تصمد بنا في مواجهة الواقع الأليم الذي نحياه، فالتربية الحركية تأخذ بالفرد منا فتحركه بإيجابية في المجتمع من حوله، وتعتني بإصلاح عمل الفرد، وهو يتحرك بين الناس، وتدفعه لإصلاحهم.
6- مستمرة: العملية التربوية لا تنتهي إلا بمفارقة الروح الجسد، فهي ملازمة للفرد مدى حياته، فتدفعه دائمًا لتحسين سلوكه واكتساب مهارات ومعارف جيدة، تكون له زادًا للاستمرار في عمله الدعوي.
ثانيًا: مكونات العملية التربوية
وتتميز العملية التربوية عند جماعة الإخوان المسلمين بأنها مستمَدة من سيرة الحبيب ﷺ والصحابة الكرام، كما تتميز بأنها تأخذ بكل الأساليب العلمية والحديثة في عملية التربية، فهي تجمع بين الأصالة والتجديد، وتحرص على الابتكار والتطوير، وتتكون العملية التربوية من:
1- المربي: فالمربي هو حجر الزاوية في العملية التربوية، يربِّي من معه وفق منهج الله، وهذه في الأصل مهمة الأنبياء ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيْكُمْ رَسُوْلاً مِّنْكُمْ يَتْلُوْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيْكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُوْنُوا تَعْلَمُوْنَ﴾ (البقرة: من الآية 151).
فسبيل التربية الربانية هو اتخاذ كفلاء على الأفراد يقومون بتربيتهم على ما يحب الله ويرضيه، ويشغل المربي أولى درجات المسئولية، وهو أحد فروعها، وهو المسئول الأول عن نجاح العملية التربوية وتحقيق أهدافها، وعن رعاية مَن معه في الصف، وهو منهم بمنزلة الوالد بعاطفته وعنايته بشئونهم الحياتية، وهو منهم بمنزلة الشيخ الذي يُعنَى بأحوالهم الإيمانية والعبادية والسلوكية، وهو منهم بمنزلة الأستاذ الذي يُعنى بمستواهم العلمي، وهو القائد القدوة كما هو حال عبد الله بن حذافة السهمي عندما وقع في أَسر الروم فيغريه مَلِكُهم بالترغيب بالزواج من ابنته تارةً ويهدده بالقتل بالسهام أو بالماء المغلي تارةً أخرى، فيثبُت وينقذه الله بثباته هذا ومعه ثمانون من أسرى المسلمين.
ولقد ربَّى رسول الله ﷺ هذا الجيلَ القدوة على هذه القيم والمبادئ، ولمَّا كان صلاح آخر هذه الأمة لن يتم إلا بما صلح به أولها، فإن أهم خطوات الإصلاح أن ينشأ جيلٌ من المربين يقوم بهذه المهمة أو الدور.
2- الفرد: هو اللبنة الأولى في المجتمع، وإذا صلحت هذه اللبنة صلح بناء المجتمع كله، والناظر في تاريخ الدعوات يجدها تبدأ دائمًا بفرد، فالرسول أو النبي كان يبدأ بنفسه كفرد ثم بعد ذلك يدعو أفرادًا يربيهم على عينه، فكان يحوِّل الفكرة المجردة إلى رجال يتحركون بها ويعيشون لها، ويجاهدون في سبيلها ويموتون من أجلها.
ومهمة المسلم مهمة تغييرية، وهي مهمة صعبة وشاقة؛ لذلك يجب أن يكون إعداد الفرد المسلم متكافئًا مع ثقل المسئولية التي سيحملها، ولهذا حدَّد الأستاذ حسن البنا – رحمه الله – مواصفاتِ وعلاماتِ هذا الفرد في ركن العمل، وهي: «إصلاح نفسه حتى يكون قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره».
والمتأمل في كلام الإمام الشهيد عند تحديده لمواصفات الفرد المسلم المنشود يجد أنه بدأ بقوله (إصلاح نفسه) وهنا تركيز على جانب الذاتية؛ لأنه يريد إعداد فرد صاحب طاقة تدفعه إلى الحركة الدءوبة والبحث الدائم والترقي في سلَّم المعالي، فهو يُصلح نفسه ذاتيًّا، وليس واقفًا منتظرًا لدفع غيره له حتى يتحركَ ويُصلحَ من شأنه، وهو يعطي من وقته وجهده وماله وراحته لدعوته وفكرته دونما إبطاء أو مَنٍّ، والمتأمِّل في الصفات التي حددها الأستاذ البنا يجد أنها تشمل جوانب الإنسان البدنية والعقلية والروحية، ومن هنا جاء إعداد الفرد وفق هذه الصفات متميزًا بالآتي :
إعداد متكامل: بمعنى أنه يتناول جوانب الإعداد كلها، الفكرية والنفسية والحركية، فليس الإعداد فكريًّا نظريًّا فحسب أو روحيًّا تربويًّا فقط أو حركيًّا سياسيًّا لا غير، ومن هنا تكون الشخصية إسلاميةً متكاملةً قادرةً على الصمود والتحدي والاستمرار، وتحقق الهدف من وجودها.
إعداد متوازن: بمعنى أنه يهتم بإعداد كل جانب من الجوانب بالقدر المطلوب، من غير زيادة أو نقصان، فزيادة الاهتمام بأي جانب يكون حتمًا على حساب الاهتمام بالجوانب الأخرى ويؤدي هذا- لا محالة- إلى تشوُّه في الشخصية واختلال في توازنها.
إعداد ميداني: بمعنى أنه لا يقتصر على النظريات وإنما يعتمد على أسلوب ونهج تطبيقي في عملية التكوين والإعداد وعلى توفير القدوة الحسنة المتحركة، فهو إعدادٌ من خلال الحركة والعمل وليس فقط من خلال الموعظة والدرس.
3- البيئة التربوية: هي الجو المحيط بالأفراد، وتختلف العملية التربوية باختلاف البيئة، ولا بد من تهيئة بيئة مناسبة ووضع تحصينات للفرد في البيئات غير المناسبة والبيئة الإيجابية والمناخ السليم، تتحقق بمعاني الحب والأخوَّة، والثقة والجندية، والانضباط والالتزام، والشورى والنصيحة، أما البيئة السلبية وغير السليمة والتي تعيق نجاح العملية التربوية فهذه بيئةٌ مليئةٌ بالقيل والقال والبطالة الدعوية وقلة العمل وضعف تحقق أركان الأسرة، وتربية الفرد في بيئة غير سليمة تُعدُّ سرابًا خادعًا، والإمام البنا رحمه الله ينبه إلى أهمية مراقبة الصف وتنقية البيئة الإخوانية فيقول: «وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم؛ فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق».
4- المنهج: هو مجموع الخبرات التربوية التي تهيئها الجماعة للأفراد داخلها، بقصد مساعدتهم على النمو الشامل (عقلي – ثقافي – ديني – اجتماعي – جسمي – نفسي – فني) الذي يؤدي إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق الأهداف التربوية المنشودة، وعناصر هذا المنهج تشمل الأهداف والمحتوى والأساليب والوسائل والتقويم، وبتحقق هذه العناصر تنتج الخبرة.
وفي هذا يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: «رأيت القائمين بكل نهضة موفقة نجحت وأثمرت كان لهم منهاج محدد عليه يعملون، وهدف محدد إليه يقصدون، وضعه الداعون إلى النهوض، وعملوا على تحقيقه خلفهم من قومهم، غيرهم يعملون على منهاجهم ويبدأون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصلوا، ولا يهدمون ما بنوا، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخربون ما عمروا، فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينًا أو مكَّنوا نتائجه تمكينًا، وإما تبعوهم على آثارهم فزادوا البناء طبقةً وساروا بالأمة شوطًا إلى الغاية» (رسالة هل نحن قوم عمليون).
ما أروع هذه الكلمات وتلك الأسس التي وفق فيها الإمام الشهيد حسن البنا بفضل من الله تعالى، والتي ساهمت في عملية البناء والتكوين وكان لها أبلغ الأثر في واقع الأمة الإسلامية.
إنها عبقرية البناء والتنظيم والتربية والتكوين، ولعلنا نستشعر عظمة هذه العبقرية الفذة والقيادة الملهمة عندما نتعرض للحديث عن وسائل وأساليب التربية عند جماعة الإخوان المسلمين.
لقد أدرك الإمام البنا أبعاد انهزام المسلمين الروحي والحضاري، وفهم سر ابتعادهم عن الإسلام، فدعاهم إلى تطبيق الإسلام وحملَهم على أسلوب في التربية متطابق مع منهج الإسلام، فأولَى الإنسانَ عنايتَه الكبرى، وربَّاه مراعيًا عناصره من روح وفكر وجسد، موازنًا بين هذه العناصر، مبتكرًا في وسائل التربية بما يحقق الغرض ويتناسب مع واقعنا المعاصر.
لذلك جاءت تربية الإمام البنا محقِّقةً للأهداف التي وضعها، والتي تتركز في تحقيق التفاعل بين روح الإسلام وبين أفراد الجماعة؛ بحيث يتحقق من هذا التفاعل تجريدُهم من ذواتهم ومن القِيَم الأرضية كلها، تجريدهم من الاعتزاز بكل ما يُعتزُّ به من حطامٍ وأهواءٍ ليعتزوا بالحق وحده؛ بحيث تتبع ذواتهم الحق، ولا تتبع أهواءهم ومشاعرهم الشخصية، وذلك بأن يتجردوا لله تجردًا خالصًا، وما أحلى وأصدق قوله – رضي الله عنه – في وصف ذلك النموذج الذي عمل على إيجاده وتكوينه:
«أستطيع أن أتصوَّر المجاهدَ شخصًا قد أعدَّ عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا، إن دُعي أجاب، أو نودي لبَّى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلُّك على ما يضطرم في قلبه من جوًى لاصقٍ وألمٍ دفينٍ، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمَّة عالية وغاية بعيدة».
هذا النموذج الذي حدد الإمام البنا خصائصه وملامحه لم يتركه دون توفير كل متطلبات العملية التربوية التي تكفل تكوينه، وهي تدور حول:
أولاً: المنهج الصحيح: وقد وجده الإخوان المسلمون في كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام، بهذا المنهج وتطبيقاته في سيرة النبي الكريم وأصحابه أخَذَ الإخوان أنفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقًا لا هَوادةَ فيه.
ثانيًا: القدوة الصالحة: لقد أدرك الإمام البنا خطورةَ هذا العنصر في العملية التربوية، فكان في شخصه مثلاً لهذه القدوة الصالحة، وأخَذَ عزائمَ الإخوان وهممهم بالمنهج الذي رسمه لهم، فأصبحوا أمثلةً يُحتذى بها في الحماس والتضحية والعمل للدعوة، وعلموا أن براعتهم لا تكون في ترديد نظريات التربية والتنظيم والتخطيط، ولكن بترجمة ذلك إلى وقائع محسوسة تسهم في الدفع المباشر والتطوير الفعلي لأجهزة الحركة، كما علم الأخ المسلم أنه في انطلاقه لحمل الناس على أن يقتدوا به محتاجٌ إلى أن يحوز دمعة المتهجِّد، وشجاعة المقاتل، وانتباه الفقيه، ذلك كله بفضل يقظة الضمير وحساسيته الذي أحدثه الإمام البنا في نفوس الإخوان، فجاء عملهم مع الناس متوخيًا الحِرصَ على رابطة القلوب واجتماع الكلمة بين المسلمين.
ثالثًا: البيئة الصالحة: كما أدرك الإمام البنا أهمية هذا العنصر في نجاح العمليه التربوية، فعمل على تهيئة الأجواء المناسبة لتكوين وتربية الأفراد، وذلك بتهيئة الجوِّ الإسلامي حتى تتكون منهم الطليعة المؤمنة التي تأخذ على عاتقها إعلاء كلمة الله، وذلك بما أُتيح لهم من محيط نظام الأُسَر والكتائب والمعسكرات، وفي نطاق مجالات العمل والنشاط في المساجد والمدارس والخدمات الصحية والشركات والبر والخدمات الاجتماعية.
ولقد أخذت جماعة الإخوان المسلمين بوسائل متعددة لبناء وتكوين الأفراد، والتي كان لها عظيمُ الأثر في إعداد وتربية الأجيال المتعاقبة من حمَلة هذه الدعوة المباركة والعاملين المجاهدين من أجل نصرة هذا الدين الحق، ولقد أثبتت الممارساتُ العملية لهذه الوسائل على مرِّ الزمن أنه لا بديلَ ولا غنى عنها، وأنها ما زالت صالحةً لتحقيق التربية السليمة والمتوازنة لأفرادها،
ولقد حدَّدت الجماعة لكل وسيلة دورَها في البناء والتكوين، نذكر منها:
أولاً: الأسرة: الأسرة عند الإخوان المسلمين هي اللبنة الأولى في بناء الجماعة وتكوينها، كما أنها أساس التكوين للأفراد وأمثل الأساليب لتربية الفرد تربيةً متكاملةً، تتناول كل جوانب شخصيته، وتصوغ هذه الشخصية صياغةًً إسلاميةً وفق كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وتُعدُّ الأسرةُ من أهم الركائز التي يقوم عليها بناء الجماعة في تربيها وفق نظام أسري؛ من أجل الاستمرارية وإعداد الفرد إعدادًا إسلاميًّا متكاملاً،
وفي ذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا: «يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله، يوجههم إلى المثل العليا، ويقوي روابطهم، ويرفع أخوَّتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات»، ويقول الأستاذ حسن الهضيبي : «وليس نظام الأسر إلا تحقيق معاني الإسلام تحقيقًا عمليًّا بين الإخوان، فإذا هم حقَّقوا ذلك في أنفسهم صحَّ لهم أن ينتظروا ما وعد الله به المؤمنين من نصر..»، ويُعتبر نظام الأسر هو البناء الدقيق للجماعة لكي تستطيع القيام بمسئولياتها وواجباتها تجاه تحقيق النصرة لهذا الدين، وتحقيق العزة والرفعة لأمتنا الإسلامية.
ثانيًا: الكتائب: والكتيبة – كوسيلة تربوية – تعتني بتربية الروح، وترقيق القلب، وتزكية النفس، وتعويد البدن والجوارح على الاستجابة للعبادة بعامة وللتهجد والذكر والتدبر والفكر بصفة خاصة.
ثالثًا: الرحلات: والرحلات – كوسيلة تربوية – تعتني بتقوية البدن، وكذلك الترويح عن النفس، وتوثيق العلاقة بين الأفراد، وتعميق الارتباط بينهم، كما تُعنَى بتدريب الأفراد على الاعتماد على النفس وحسن التصرف وتحمُّل المشاق، والتزام النظام، والحرص على الانضباط، واكتساب الخبرات العملية.
رابعًا: المعسكرات: والمعسكرات – كوسيلة تربوية – تعمل على صبغ حياة الفرد بصبغة إسلامية لفترة تشتمل على عدد من الأيام؛ ليكتسب السلوكيات الإسلامية والآداب القرآنية، ويتدرب على ممارسة الجندية بكل معطياتها، من طاعة ونظام وتحمُّل وانضباط والتزام، كما يتدرب على تحمل المسئوليات العملية والتعرف على أعبائها وواجباتها.
خامسًا: المؤتمرات: والمؤتمرات – كوسيلة تربوية – تتيح للأفراد فرصةً جيدةً للاشتراك في المناقشة والحوار، كما تركِّز بعمق ودقة على تنمية الجانب الفكري والثقافي لدى الأفراد وتنمية الوعي وتعميق المعرفة لديهم تجاه القضايا المطروحة.
سادسًا: الدورات: والدورات – كوسيلة تربوية – تعمل على إكساب وتدريب الأفراد على المهارات الأساسية واللازمة في كافة مجالات وأنشطة الدعوة، كما تعمل على إكساب الخبرات والتجارب العملية بالتواصل الفعَّال مع أهل الاختصاص والخبرة.
سابعًا: الندوات: والندوات – كوسيلة تربوية – تُعنى بدراسة القضايا والمشكلات المطروحة والتعرُّف على جوانبها المختلفة وكيفية التعامل معها، كما تعمل على تعميق وعي الأفراد وتوحيد أفكارهم بما يحقق وحدة التصور والفكر.
إن هذه الوسائل التربوية بتكاملها وشمولها تعبر بصدق عن خصائص منهج التربية عند الإخوان المسلمين، وتدل على عبقرية البناء والتكوين عند الإمام الشهيد حسن البنا، الذي استطاع أن يؤلف ويربِّي الرجال أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة، والذي سار على نهجه الأتباع والدعاة على مرِّ الأزمنة وفي سائر الاقطار.
وختامًا: بعد ما تحدثنا عن أن التربية هي طريق النهضة من خلال تناولنا لـ:
– طبيعة الصراع وحقيقة المعركة وأهمية التربية كطريق للنهضة.
– مقومات البناء بشقَّيه النفسي (العقائدي والسلوكي) والتنظيمي.
– خصائص ومكونات العملية التربوية.
– وسائل التربية المتنوعة والمتكاملة.
نستطيع أن نخلص إلى عدة نقاط مهمة:
1- إن للتربية عند الإخوان المسلمين أهميةً قصوى لا تدانيها أهميةٌ، ولقد أدرك الإخوان منذ خطواتهم الأولى أن أمثَل الطرق للإصلاح هي طريقة تربية الأفراد وفق منهج الإسلام ونظامه للوصول بهم إلى الغاية والأهداف المنشودة.
2- إن منهج الإخوان في التربية اتباعٌ وليس ابتداعًا، فالتربية الإخوانية تنبع من كتاب الله وسنة رسوله، وتستعين بسِيَر الصحابة والتابعين وسِيَر الصالحين المجدِّدين من أئمة الهدى على مرِّ التاريخ الإسلامي كله.
3- تعدد وسائل التربية لدى جماعة الإخوان المسلمين تعددًا يؤكد التكامل في تربية الفرد المسلم، وينبئ عن إدراكٍ عميقٍ للمنهج الصحيح الذي يجب أن تقوم عليه التربية الإسلامية.
4- إن تربية الأمم وتكوين الشعوب ومناصرة المبادئ وتحقيق الآمال- كما قال الإمام الشهيد حسن البنا- تحتاج إلى القوة النفسية العظيمة التي تتمثل في:
– إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.
– وفاء لا يعدو عليه تلوُّن أو غدر.
– تضحية عزيزة لا يحُول دونها طمعٌ أو بخلٌ.
– إيمانٌ بالمبدأ ومعرفةٌ به.
5- إن سيادة الأرض والتمكين فيها يكون كما قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)﴾ (النور).
نسأل الله العلي القدير أن يمكِّن لهذه الأمة ولحَمَلة هذه الدعوة حتى تسعد البشرية جمعاء.
—————–
omarjomaaa
وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم؛ فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق”. السلام عليكم يا استاذنا، هل ممكن شرح لهذه النقطة؟
zadussaerin
حياكم الله يا أخ عمر، هذا المعنى مفاده أن هذه الدعوة لا يصلح لها صالح المنافع الشخصية أو الرغبات الذاتية والهوى فى تصدر المناصب والتربح من الدعوة، فلا يصلح لها إلا من أخلص لله فيها وتجرد من مطامع النفس وهوى القلب . وأمثال هؤلاء فى أي جماعة إذا وجدوا فهم حائل دون نزول النصر والتوفيق .
Abo amer
جزاكم الله خيرا
zadussaerin
بارك الله فيكم ونفع بكم، وإعاننا وإياكم على نشر هذا الخير.
zadussaerin
اللهم آمين، جزاكم الله خيرا