العاقبة للمتقين والنصر للصابرين –  د. محمد حامد عليوة

العاقبة للمتقين والنصر للصابرين د. محمد حامد عليوة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المجاهدين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد.
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، إنها القاعدة القرآنية التي تبعث الأمل في نفوس أهل الحق، فتملأ قلوبهم ثقة وسكينة وراحة وطمأنينة، فيواصلون السير ويثبتون على الدرب مهما تنوعت الخطوب وتشعبت الدروب، فيخفف عنهم اليقين بوعد الله الحق لأواء الطريق، وينتظرون في أمل حسن العاقبة.

والعاقبة للمتقين عامة في الدنيا والآخرة، وهي للمؤمنين الصابرين إحدى الحسنيين، نصر وسيادة أو شهادة وسعادة.

وقد ورد هذا المعنى في عدة مواضع في القرآن الكريم، من أبرزها ما جاء على لسان سيدنا موسي مبشرًا قومه: (قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف:128

وجاءت تحمل البشري في نهاية قصة قارون، في خواتيم سورة القصص، قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].

وجاءت مطمئنة ومبشرة ومؤيدة للرسول محمد ﷺ في قوله سبحانه: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49)

يقول شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – معلقًا على هذه القاعدة القرآنية (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ): «واعلموا – أصلحكم الله – أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وهؤلاء القوم مقهورون مقموعون، والله سبحانه وتعالى ناصرنا عليهم ومنتقم لنا منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فأبشروا بنصر الله تعالى وبحسن عاقبته، وهذا أمر قد تيقناه وتحققناه والحمد لله رب العالمين». (مجموع الفتاوي 125/3).

وحُسن العاقبة لا بدَّ لها من التقوي، ولذلك اقترنت في كل مواضع القرآن بتحقق التقوي. ويلزمها أيضا الصبر والثبات على طريق الحق، فالعاقبة الحميدة لأهل التقوى، متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا في سبيله، كانت العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، وكان الله معهم، ومن كان الله معه هداه وكفاه، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).

لقد مضت سنة ربنا العلي الكبير من قبل، وتمضي من بعد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أنه: ما صدع أحد بالحق وجهر به، ودعا الناس إليه إلا أوذي، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّأبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ محمد:31

ولكن قضى ربنا وقدر أن تكون العاقبة للمتقين والنصر للصابرين، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَأمَنُواْ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ إلاْشْهَـدُ) غافر:51. (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة:21

وكلنا أمل وثقة في وعد الله، الذي لا يخلف وعده، أن يندحر الباطل وحزبه، وينتصر الحق وأهله، وأن ما نراه اليوم من حرب على أهل الحق ما هو إلا تهيئة وتقدمة لنصر قريب، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز) الحج 40.

والمتأمل في واقع الأمة الآن وما يجري لدعوة الحق من مكر، وما أصاب أهل الحق من أذى وكيد في كل مكان، في ظل انتفاشة أهل الباطل وبغيهم وعدوانهم، قد يتخلل اليأس والقنوط إلى نفسه، أو يتشكك في الطريق ونهجه، ولكن مع التقوي واليقين بوعد الله الحق، وتعلق القلوب بالله سبحانه، والصبر وبذل الجهد، سيتنزل النصر وسينكسر البغي.

فأبشروا أيها الأحبة، واعلموا أنكم ما دمتم على الحق صابرين ثابتين، فالله معكم ولن يتركم أعمالكم، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آل عمران:126.
والحمد لله رب العالمين

0 Comments to “العاقبة للمتقين والنصر للصابرين –  د. محمد حامد عليوة”

اترك تعليقا