المربي واستثمار الفروق الفردية – د. محمد حامد عليوة

المربي واستثمار الفروق الفردية – د. محمد حامد عليوة

إن من سُنة الله في خلق الإنسان التفاوت في الطباع والملكات والقدرات والصفات، (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 118]، ثم تأتي التنشئة المتفاوتة والبيئة المحيطة فتُسهم في توسيع هذه الفوارق بين الناس، وتأتي التربية والرعاية والتوجيه والإرشاد فتتعامل بواقعية مع هذه الفوراق فتجمع شتاتها وتؤلف فيما بينها فتتكامل جوانبها وتُلبى حاجاتها وتُستثمر فوارقها في تحقيق مقاصد التربية وغاياتها، لذلك كان من المبادئ الثابتة في التربية الصحيحة، مبدأ (مراعاة الفروق الفردية).

وبعض العاملين في حقل التربية قد يضيق ذرعًا من هذا التفاوت لأن الأمر يتطلب منه الحكمة وبذل الجهد في التعامل مع كل هذا الاختلاف، وهو لا يصبر على ذلك ولا يطيقه،
ولكن المربي المتميز ينظر إلى هذا التفاوت بين الأفراد نظرة إيجابية، بحيث يتعامل مع كل واحد منهم بما يناسبه، ويرتقي به في الجانب الذي يخصه، ويوظف طاقاته حسب ما يسره الله له، وهنا يكون المربي قد أعمل مبدأ (الفروق الفردية)، وأحسن استثماره بين طلابه ومريديه.

والناظر في حال (المربي الأول) رسول الله ﷺ مع أصحابه يجده قد راعى هذا الجانب في تربيتهم على اختلاف مشاربهم وطبائعهم وقدراتهم ومهاراتهم، والنماذج الدالة على ذلك كثيرة ومتنوعة لا يسع المجال للتوسع فيها.

وبالتالي لا بد أن نقتدي بالمربي القدوة ﷺ في هذا الجانب حتى تثمر جهودنا التربوية، وهكذا يجب أن يكون حال كل قائد ومربي، حين لا تمنعه نظرته الكلية وجهوده الجماعية في تربية مريديه أن تكون له نظرته الفردية تجاه كل واحد منهم على حدته، فلكل واحد منهم حاجاته ومشكلاته ومهاراته وقدراته وطباعه وتنشئته «وكل ميسر لما خلق له».

وعندئذٍ نجد المربي المتميز يرى الفروق الفردية جانباً مشرقاً وإيجابياً في إثراء العملية التربوية وتعظيم مخرجاتها ونواتجها.

ومن جميل ما قرأت عن أحد الدعاة والمربين وهو الأستاذ طلعت الشناوي -رحمه الله- أنه كان يقول: «إن تباين الطباع بين الأفراد رأس مال ضخم إذا ما أُشرب بماء واحد، وتجمَّع في يد قيادة واعية».

نعم.. التربية الصحيحة هي التي تستثمر طاقات وقدرات ومواهب الأفراد على اختلافها، وتعالج مشكلاتهم وتلبي حاجاتهم على تعددها وتنوعها، وهذه هي مياه التربية الصحيحة التي يُسقى بها الأفراد على تفاوتهم فتثمر قدراتهم وتنمو طاقاتهم وتتكامل جهودهم، ويبقى صاحب الجهد البارز في هذه التربية الصحيحة هو المربي الواعي والقائد الكفء الذي يُحسن استخدام أساليب التربية ومضامينها في تحقيق أهداف التربية وتعظيم نتائجها على تفاوت طبائع الأفراد وتنوع حاجاتهم والفروق الفردية بينهم.

اترك تعليقا