المسلم الحق بين العبادة والسلوك

المسلم الحق بين العبادة والسلوك (*)
بقلم: أحمد مخيمر

لقد بين المولى سبحانه الغاية والهدف من خلق الإنسان بقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] فحصرها وقصرها سبحانه على عبادته، ومن هنا كان مفهوم العبادة شاملاً لايقتصر على ركعات تُؤدى ولا ساعات تُصام ولا نصاب مالي يُزكى به، إنما هي منهج تعبُّدي شامل، يُغطى سلوك الإنسان ومعاملاته في كافة الأحوال، من حركات وسكنات، من أقوال وأفعال، مصداقاً لقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَأيَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]. ولذلك كانت بعثة النبي ﷺ لاتمام مكارم الأخلاق «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.

وكان جماع التقوى وهي محصلة العبادة السوية مخالقة الناس بالأخلاق الحسنة: «اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن.

ولو وقفنا مع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لوجدناها تؤكد وبقوة على العلاقة الترابطية بين الشعائر التعبدية والسلوك القولي والفعلي للمتعبد ليصير الإنسان المسلم ترجمة حقيقية لعبادته وتوحيده لله ويمكن استعراض هذا الترابط في بعض العبادات:

1- التلازم بين عبادتي الصلاة والزكاة وأخلاق الوفاء بالعهد والصبر:
قال الله تعالى: (وَأَقَأمَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ وَالْـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّأبِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُون) [البقرة: 177].

2- التلازم بين عبادتي الصلاة والزكاة وسلوك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى: (الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَأمُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 41].

3- ثمرة عبادة الصلاة: خلق الانتهاء عن الفحشاء والمنكر:
قال تعالى: (إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون) [العنكبوت: 45].

4- التلازم بين عبادتي الصلاة والزكاة وخلق النصح والإرشاد:
عـن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عـنه قال: «بايعت رسول الله ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم». متفق عليه

5- التلازم بين عبادتي الصلاة والزكاة وخلق صلة الرحم:
حدثنا أبو أيوب؛ أن أعرابيا عرض لرسول الله ﷺ وهو في سفر‏، ‏ فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها‏، ثم قال‏: يا رسول الله‏! ‏ أو يا محمد‏! ‏ أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار‏، قال‏: ‏ فكف النبي ﷺ‏، ثم نظر في أصحابه، ثم قال‏: ‏«‏لقد وفق أو لقد هدي‏»‏ قال: ‏كيف قلت‏؟ ‏قال‏: ‏فأعاد‏. ‏فقال النبي ﷺ‏: ‏«‏تعبد الله لا تشرك به شيئاً‏، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة‏، ‏وتصل الرحم». متفق عليه

6- التلازم بين عبادتي الصلاة والصيام والتزام حدود الحلال والحرام:
عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما، أن رجلا سال رسول الله ﷺ فقال: «أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟»، قال: «نعم» رواه مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر وزاد في آخره قال والله لا أزيد عن ذلك شيءًا

7- من لوازم عبادة الصيام اجتناب قول الزور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.

8- من لوازم عبادة الحج اجتناب الرفث والفسوق والجدال:
قال الله تعالى: (الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْـحَجِ) [البقرة: 197].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من حج ولم يرفث ولم يفسق غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» رواه الترمذي وفي لفظ «رجع كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم.

إن الأخلاق السيئة والسلوك السلبي لا يشيرا إلى أن العبادة لا تؤدى على الوجه الأكمل فقط، بل قد ينقل ثواب العبادة إلى المتضرر من هذا السلوك والخلق الفاحش، ويُدخل صاحبه النار، أو يبعده عن الله.

عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي: من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم، فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار». رواه مسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي ﷺ: يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتتصدق، وتـؤذي جــيرانها بلسانها؟ قال رســـول الله ﷺ: «لا خير فيها هي من أهل النار». رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الالباني.

وروي عن ابن عباس قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا». ابن تيمية في (كتاب الإيمان) ص 12.

لذلك فالمسلم الحق دائما تترجم حركاته وسكناته، غدوته وروحته، أقواله وأفعاله، وجميع أخلاقه وسلوكه ما أتى من صلاة وصيام، من ركوع وسجود، من تبتل وخشوع، من تلاوة وذكر، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَأنًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

———————-
(*) نُشر هذا المقال سابقًا، الأربعاء 04 ذو القعدة 1428هـ – الموافق 14 نوفمبر 2007م

اترك تعليقا