دل هذا الحديث على أنّ للإيمان حلاوةً، وهذا شيء يشعر به المخلصون الصادقون، ولهذا كان بعض السلف تمر به أوقات فيقول: «إن كان أهل الجنة في نعيم مثل هذا إنهم لفي عيش طيب». وكان غيره يقول: «لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجلدونا عليه بالسيوف». فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلب كما يذوق أحدنا الماءَ بالفم، وهو غذاء القلوب وقوتها.
وهذه الحلاوة لا يجدها إلا من عمر وقته بطاعة الله، وقد سئل وهيب بن الورد رحمه الله: هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله؟ قال: لا، ولا من هم بالمعصية. فالقلب المريض والعياذ بالله يستحلي ما فيه هلاكه، ومن هنا قال ﷺ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»؛ لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان، فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي.
الخصلة الأولى: أن يكون اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا
وقد ذم الله في القرآن الكريم من قدم محبة شيء على حب الله ورسوله ﷺ. قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]. كلُّ هذه المذكورات في الآية جُبِل المرء على محبتها، وليس المراد تحجير هذا أو ذمَّ من قام به، وإنما المراد من الآية ذمُّ من قدم حبها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله، فإنَّ حبها مركوز في نفوسنا. وهذه الآية دلت على مسألة مهمة جدًا، وهي أنه لا يكفي أن تحب الله! لا يكفي أن تحبَّ رسول الله ﷺ، بل لا بدَّ من أن تقدِّمَ حبَّ الله ورسولِه ﷺ على أيِّ شيء.
قال عبدُ اللَّهِ بْنُ هِشَأمٍ رضي الله عنه: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (الْآنَ يَا عُمَرُ)». [البخاري]. قال ابن حجر رحمه الله: «قال الخطابي: حبُّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد ﷺ حب الاختيار، إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولًا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي ﷺ أحب إليه من نفسه؛ لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: «الآن يا عمر» أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب» (فتح الباري 11/528).
الخصلة الثانية: وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وقد قال النبي ﷺ: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»[رواه أبو داود] هذه هي حقيقة العبودية لله تعالى، أن تجعل شرع الله دليلًا في كل شيء، إذا أحببت أحببت لله لا لهوى نفسك، وإذا أبغضت زيدًا فلأنه من العصاة الذي يبغض الله فعالهم، لا لأنه سبك أو نال منك أو لموقف معين. كثير من الناس يحب للدنيا، ويعطي ويعيش لها، فهذا عبد الدنيا كما قال النبي ﷺ، فحري بالمسلم أن يفتش نفسه، وأن يجعل من شرع الله دليلًا لمن يحب ويبغض. والحب على قسمين: فطري جبلّي، وسببي كسبي. فأما الفطري الجبلّي: فلا لوم على العبد فيه، فإن الله فطره على ذلك، كحب الرجل الطعام، وحبه الماء، وحبه ابنه، وزوجته، وأصدقاءه. وأما الكسبي السببي: فهو الإرادي الذي يحاسب الله عليه العبد، إذا صرفه لغير مرضاة الله تبارك وتعالى.
SMHE : Nikmat Cinta Fillah | USTAZIATUL ALAM
[…] sumber : portal rasmi Syaikh Muhammad Hamed Eliwah […]