صلحوا فأصلحوا.. وهكذا سادوا –  د. محمد حامد عليوة

صلحوا فأصلحوا.. وهكذا سادوا –  د. محمد حامد عليوة

إنها حقيقة دامغة، حين يتمتع المرء بالصلاح والتقوى، ويخشى الله، ويرعى حقوق عباده، ويتحرك مصلحاً في مجتمعه، ينال الرضا والسعادة، والمكانة والسيادة.

ومع أحد هؤلاء الذين ساروا على درب الصلاح والإصلاح وهو:
(عروة بن محمد بن عطية السعدي – المتوفى سنة 120 هجرية) (1)

أنبأ حنظلة بن أبي سفيان عن عروة بن محمد أنه قال: «لما استُعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن؟ قلت: نعم، قال: إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض أسفل منك، ثم أعظم خالقهما»(2).

وقال يعقوب بن سفيان، عن على بن المديني: «ولي عروة بن محمد اليمن عشرين سنة، وخرج حين خرج ومعه سيف ومصحف».

وقال سفيان: حدثني مولى لعروة بن محمد، قال: «خرج عروة بن محمد من اليمن، وقد وليها سنين، وما معه إلا سيفه، ورمحه، ومصحفه»، قال: وبلغني أنه لما دخل، قال: «يا أهل اليمن، هذه راحلتي، فإن خرجت بأكثر منها، فأنا سارق».

نعم إنه الصلاح طريق الإصلاح، وإنها العبادة أساس القيادة، ورحم الله الإمام حسن البنا يوم قال: «كونوا عباداً قبل أن تكونوا قوادًا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة». إنه الإنقياد لله تعالى الذي يُعين العبد على حُسن سياسة الناس وقيادة أمورهم. (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)) سورة الحج

قال الصباح بن سوادة الكندي: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يتلوا قول الله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، ثم قال: «إلا أنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه، الا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم، وأن يأخذ لبعضكم من بعض، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ولا المستكرهة، ولا المخالف سرها علانيتها».

تأملوا .. كم من الطهر والعفاف والنقاء والتقوى والورع والصلاح تخلق به سادتنا هؤلاء!!؟، أمثال (عُروة بن محمد)، يقول لأهل اليمن وهو يغادرهم بعد (عشرين سنة) متصلة من الولاية والحكم والسيادة: «يا أهل اليمن، هذه راحلتي، فإن خرجت بأكثر منها، فأنا سارق».

إن أمتنا في أمس الحاجة لأمثال هؤلاءالأتقياء لربهم، الأنقياء في نفوسهم، الأقوياء في وِلايتهم وحكمهم، الأمناء على الرعية بأخلاقهم ومعاملاتهم. (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)) القصص.

الصلاح أساس الإصلاح
إن مسئولية الدعاة تجاه غيرهم يجب ألا تشغلهم عن واجباتهم نحو أنفسهم بالتزكية والرعاية، وإن انشغالهم بإصلاح قومهم – وهذا واجب عليهم – يجب ألا يصرفهم عن رعاية أنفسهم وإصلاح حالهم (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) الشمس 9-10

من هنا وجب علينا أن نعطي المسئولية نحو أنفسنا حقها من التزكية والرعاية والتعهد والاصلاح، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه، ورحم الله الإمام حسن البنا حين قال: «يا أخي: فاقد الشيء لا يُعطيه، والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه؟ والتاجر الذى لا يملك رأس المال من أين يربح؟ والمعلم الذى لا يعرف منهاجه كيف يُدرسه لسواه؟ والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره؟»(3). وقوله في ضرورة رعاية المرء لنفسه حتى يقدر على سياسة غيره: «ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولًا». من هنا كان الصلاح أساس الإصلاح، وكانت العبادة طريق القيادة.

وهذا هو الدرس الذى تعلمناها من قصة والي اليمن (عروة بن محمد بن عطية السعدي)، رضي الله عنه وأرضاه، ورزق أمتنا بأمثالة من الحكام الأتقياء الأمناء.

———————–
(1) (عروة بن محمد بن عطية السعدي – المتوفى سنة 120 هجرية): من بني سعد بن بكر بن هوازن، استعمله سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك على اليمن، وظل واليا عليها (عشرون سنة).
(2) تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر، الجزء 54، ص 221.
(3) من مقال للإمام حسن البنا، بعنوان (سبيل الظفر. عبادة ثم قيادة)، نُشر في جريدة (الإخوان المسلمون) بتاريخ (25 ربيع الأول 1356 هـ، الموافق 4 يونيو 1937م.

اترك تعليقا