إنه الأمر الرباني، والبيان القرآني للمؤمنين، حتى لا يكونوا ضحية للشكوك والظنون، ولا يقعوا في حبائل الشياطين وظنون الفاسقين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) – الحجرات.
وعلى العاملين في حقل الدعوة أن ينتبهوا لهذا الأمر الخطير، فكم من الأمراض والفتن تصيب أفراد الصف المسلم إذا ذاع بينهم سوء الظن وعدم التثبت والتبين.
فلا تتعجل الحكم على الأمور والأحوال والمواقف، دون تبين وتروى، لأنك في أغلب الأمور والأحوال – كفرد – لا ترى الصورة كاملة، وبالتدقيق والتبين واستشارة غيرك من أهل الذكر تتضح جوانبها، وتتجلى لك حقيقتها، لذلك تمهل حتى لا تندم على عواقب أحكام تسرعت فيها.
تمهل يا أخى الحبيب، وتثبت في كل ما تكتب وتنقل وتنشر، لأنك ستحاسب عليه، ولا تكن – في زمن الفتن – كمن يتلقون الأخبار بألسنتهم لا بآذانهم وعقولهم، دون أن يفكروا فيها وفي مآلاتها قبل نشرها ونقلها. وقد حذرنا المولى من عواقب هذا الأمر، الذى يظنه البعض هيناً وهو عند الله عظيم. (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور- 15).
وما يطفوا على السطح الآن من مشكلات وخلافات، تلعب هذه الآفة دورها فيه، فتسمع هذا يشكك في قيادته، وهذا ينتقص من إخوانه، وهذا ينقل ما يثيره الخصوم حول دعوته، فيزداد الخلاف ويتسع الشقاق، وتعلب وسائل التواصل الاجتماعي دورها في ذلك، فتتحول من وسائل تواصل إلى وسائل تلاسن، ومن منابر تقارب وتفاهم إلى معاول شقاق وتناحر.
إن من يقضون أغلب الأوقات في التهكم والنقد والتجريح، ونشر الأكاذيب وإثارة الشبهات دون سند أو روية، ليس لديهم وقت لعمل جاد لخدمة قضيتهم ودعوتهم. وأقول لهؤلاء: لو كُنتُم تنتمون للدعوة بصدق وتعملون لها بحق، لحرصتم على العمل بدلاً من الجدل، ولجبرتم التقصير بدلاً من التشهير.
ولو التزم الاخ، وأحسن التلقي، وانضبط في التعرف على ما يثار حول دعوته وقيادته من المسار الطبيعي، وميز بين مواقف الدعوة الرسمية وآراء بعض أفرادها الشخصية، وتثبت وتبين واستفسر واستوضح، ما كان ضحية للظنون ولا ناقلا للأوهام التي تضيع الأوقات وتفسد النيات وتباعد بين القلوب.
ومما تعلمته من أهل السبق وأصحاب الفضل من إخواننا: (أن أضبط ميزاني حتى تعتدل أحكامي).فعند تقدير المواقف أو الحكم على الأشخاص أو تقييم الأقوال والأفعال لا بد من ضبط الميزان. والتثبت والتبين هو ما يساعد في ضبط هذا الميزان.
موقف فيه العبرة
حدث فعلاً: أن مجموعة من شباب الدعوة كان لهم نظرة ما في إخوانهم الأكبر سناً من السابقين على طريق الدعوة، وترتب على هذه النظره القاصرة سلوكيات غير مناسبة، والجميع كانوا في محنة السجن (سجن قنا) زمن عبد الناصر. وذات يوم وهم في سجن قنا، جمعهم أحد الأساتذة من إخوانهم السابقين، وهو الحاج محمد علي الشناوي وقال لهم:
«قبل أن تلتقوا بنا رسمتم لنا صورة ملائكية، ورفعتمونا إلى السماء ولا دخلَ لنا في هذا، وعندما عشتم معنا ووجدتمونا بشرًا خسفتم بنا الأرض دون ذنبٍ جنيناه، وكلاهما خللٌ في تقييمكم وميزانكم، فاضبطوا ميزانكم تعتدل أحكامكم».