في الإخلاص وحُسن القصد  –  د. محمد حامد عليوة

في الإخلاص وحُسن القصد  –  د. محمد حامد عليوة

إن الاخلاص لله عز وجل في القول والعمل وفي السر والعلن من أهم ما يلزم الداعية الصادق على طريق الدعوة، لأن الله لا يقبل من القول والعمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.. (3)) سورة الزمر 

والإخلاص روح العمل وسر قبوله، وفاقد الإخلاص في قوله وعمله مثل فاقد الروح من بدنه، لا حياة ولا توفيق وإن ملأ الدنيا ضجيجًا وحركة. ورحم الله الامام بن الجوزي حين قال: «والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يخلص». صيد الخاطر
والقرآن الكريم في أكثر من موضع يؤكد على أهمية الإخلاص ويحذر من التفريط فيه، قال الله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) سورة البينة (5). وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) سورة الزمرَ (2- 3). وقال تعالى: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ) سورة الزمر (15- 14).

وبالإخلاص يجد الفرد راحة في نفسه واطمئنانًا في قلبه، تهون عليه مشاق الطريق بإخلاصه، ويقل في نظره حجم البذل ومقدار الجهد؛ طالما أخلص لربه في عمله وقصده في جهده. إنه حياة القلوب، وفيه سعادة الدارين.

وإنى لأسأل: من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ إن حياة المخلصين كلها سعادة لأنها حياة قلوبهم التي إن صلحت صلح معها كل شيئ. ففي الصحيحين أن رسول الله قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب». رواه الشيخان.

وذلك لأن الرياء (الشرك الخفي) مرض خطير وشر وبيل تدعونا إليه أهواء النفس ووساوس الشيطان، وهو المرض الأخطر لأنه يحرك مشاعر الفرد ويوجه تطلعاته وميوله وفي الأخير يفسد سعيه ويحبط عمله ويضيع أجره، حتى وإن كثر عمله واتسعت حركته مع غياب الاخلاص فقد خاب وخسر. فقد قال رسول الله لمعاذ بن جبل: «أخلص العمل يجزيك العمل القليل».

ولقد أثبت الواقع والتجربة أن الذي لا يخلص تكثر عثراته، وتتوالى إخفاقاته، بسبب غياب التوفيق والعون، الحاصل من فساد النية وسوء الطوية، وصدق الإمام ابن الجوزي – رحمه الله – حين قال: «والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يخلص». صيد الخاطر

إنها الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية حينما تستجيب القلوب لخالقها وتؤب لباريها سبحانه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) سورة الأنفال(24)

ولأهمية الإخلاص جعله الإمام حسن البنا أحد ركائز الدعوة، وركن من أركانها، يُبايع عليه الأخ وهو يسير على طريق دعوة الحق، فيقول – رحمه الله -: «وأريد بالإخلاص: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيده لاجندي غرض ومنفعة.» رسالة التعاليم.

إخلاصنا.. يُحيّى القلوبَ ويُسعدُ:
إن حياة القلوب وسعادتها في إخلاصها لربها في كل قول وعمل، لأنها بالإخلاص تسمو وترتبط بخالقها سبحانه، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه، تطمع في الأجر، وتخشى من ضياع الجهد إذا غاب الإخلاص وساء القصد.

لذلك تسعد القلوب وتطمئن بعد كل سعي خالص، فتزداد به حياة وهدى وتُقى، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ صدق الله العظيم
فهيا بنا نحييها بالإخلاص، ونسعدها بحُسن القصد، فننال من ربنا شرف القبول، ونحظى بالتوفيق والأجر.

كان له في كل خطوة نية:
وصف الخليفة هشام بن عبد الملك بن عمه الخليفة عمر بن عبد العزيز يومًا فقال: «ما أحسب عمر خطا خطوة قط إلا وله فيها نية».(1)

لذلك كان لا بدَّ من الإخلاص في كل أقوالنا وأعمالنا، فنقصد بها وجه الله وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر.

ومع الإخلاص يأتي العمل، فلا نقف عاجزين أمام حالة الإنحراف عن المنهج التي أصابة قطاعًا من أمتنا، وأن نجتهد في إصلاح ما فسد، كما فعل عمر بن عبد العزيز، الذي استطاع في أقل من سنتين تقويم إعوجاج جيلين ممن سبقوه، فالتحم عصره مع قصره بعصر الخلفاء الراشدين.
ومع الإخلاص: تتنزل البركات، وتعم الخيرات، وتتحسن العلاقات، وتقال العثرات، وتتحقق الفتوحات، وننال من الله الرحمات.

صدق التوجه إلى الله:
ونختم بهذه الوصية القيمة للإمام حسن البنا، والتي يركز فيها على ضرورة صدق توجه القلوب إلى الله وحده، ويهيب بالدعاة والمصلحين أن يراقبوا ربهم دائمًا في كل قول وعمل فيقول -رحمة الله تعالى-:

«ولئن كانت لي وصية أوصيكم بها، فإن أولى وصياتى لكم أيها الأحبة الأعزة، أن يصدق توجه قلوبكم إلى الله وحده، وأن تشرق أرواحكم بمعرفته، وتمتلئ قلوبكم بخشيته، وتأنس أنفسكم بجمال اليقين وعظيم الثقة به، ودوام مراقبته في كل قول وعمل، وأن تستقيموا على أمره، وتلتزموا حدوده وأحكامه، فذلك رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، وشتان ما بين قلب خاو لايتصل بالله في شيء، وبين قلب استنار بأضواء الإيمان، وأشرق بشمس اليقين.».(2)

من هنا وجب على الدعاة والمصلحين أن يُراقبوا قلوبهم، ويُخصلوا في أعمالهم وأقوالهم، وأن يتحروا صدق النية وسلامة القصد قبل كل عمل، وأن يجاهدوا أنفسهم في أثناء العمل حتى يتم العمل وليس فيه حظ للنفس أو اتباع لهوى أو طلب لشهرة أو سمعة بين الناس، وبعد كل عمل يرجون من ربهم القبول، ويشفقون على أنفسهم وجلًا وخوفًا أن يردها عليهم، فتضيع جهودهم سدى. رزقنا الله وإياكم الاخلاص وحسن القصد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

——————————
(1) سيرة عمر بن عبد العزيز، لـ ابن عبد الحكم 30 / 29.
(2) من توجيه للإمام حسن البنا، بعنوان (بعد فترة.)، نُشر في جريدة (الإخوان المسلمون)، العدد (22)، بتاريخ 24 شوال 1362 هـ – الموافق 23 أكتوبر 1943م.

0 Comments to “في الإخلاص وحُسن القصد  –  د. محمد حامد عليوة”

  • zadussaerin

    ومع الإخلاص: تتنزل البركات، وتعم الخيرات، وتتحسن العلاقات، وتقال العثرات، وتتحقق الفتوحات، وننال من الله الرحمات.

اترك تعليقا