في رحاب فقه الدعوة (1)

في رحاب فقه الدعوة (1) بقلم: د. محمد حامد عليوة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد
في هذه السطور لنا وقفات متتابعة – إن شاء الله – مع سلسلة رسائل (من فقه الدعوة) لفضيلة الأستاذ: مصطفى مشهور – رحمه الله.

لقد عاش الرجل أغلب عمره خادماً لدعوته من الجندية إلى القيادة، حارساً أميناً على مبادئها وثوابتها، ثابتاً لم يبدل ولم يغير، ومن تكلموا عنه وعن تجربته في الدعوة والتربية قالوا:
«إن من يقرأ في كتابات فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور (رحمه الله). يتوقف أمام فكرة أساسية هي: المضي في طريق الدعوة مهما كانت العقبات. فقد امتزجت هذه الفكرة في شخصه، وتغلغلت في أعماقه، حتى لقبه البعض (بالشارح الأول لمبادئ الإخوان). وقد احتلت فكرة ضبط الدعوة بأصولها ووزنها بميزان مبادئها حيزا كبيرا في فكره وكتاباته الكثيرة التي تربو على عشرين كتابا».(1)

والناظر بعمق في كتابات الأستاذ مصطفى مشهور، يجد نفسه أمام رجل مجرب، يفقه جيدًا طريق دعوته، ويعي جيدًا حدود فكرته، بعيدًا عن التنظير المخل – مع أهمية الإطار النظري – الذي يبعدك عن الواقع والتجربة.

وأنت تقرأ في سلسلة رسائل (من فقه الدعوة) للأستاذ مصطفى مشهور، تستوقفك معالم أساسية ومبادئ وقيم دعوية وتربوية، تقرأها في أغلب رسائله، ومن هذه المعالم والمبادئ:
أن ترتبط قلوب الدعاة بربهم، وأن يكونوا على يقين أنه سبحانه ناصر دينه ومعز دعوته وأولياءه.
أن إخلاص وربانية رجل الدعوة هي أساس التوفيق وسبب الفتوح والسبيل للقلوب.
– أن طريق الدعوة ليس ممهدًا مفروشًا بالورود والرياحين، ولكنه محفوف بالمخاطر، كثير العقبات والمنعطفات.
أن القدوة قبل الدعوة، وأن العبادة طريق القيادة، وأن الصلاح أساس الإصلاح.
أن المستقبل لهذا الدين، وأن نور الله لا يقدر على إطفائه أحد.
ضرورة مواصلة السير على طريق الدعوة مهما بلغت التكاليف وكثرت العقبات.
أن الأصل في رجل الدعوة بعد إخلاص النية أن يبذل الجهد ويواصل السير، أما النتائج فالله يقدرها في الوقت والحال والظرف المناسب وفق مشيئته سبحانه.
أن التربية والتكوين هما الطريق للتمكين.
– أن بناء الفرد والنجاح في تكوينه بشمول وتكامل هو أساس ومنطلق التغيير لما بعده من مراحل ومراتب.
حراسة الدعوة والحفاظ على ثوابتها ومبادئها.
ضبط الدعوة بأصولها ووزنها بميزان مبادئها وثوابتها.
الفقه الواقعي والممارسة العملية والتجارب الحية على طريق الدعوة.
وغيرها من المعالم الدعوية، التي يجدها الناظر في كتاباته (رحمه الله).

وأنت تتنقل بين صفحات هذه السلسلة الهامة من (فقه الدعوة) تلمس أن الرجل – رحمه الله – قد عاش دعوته بقلبه وجوارحه، وتغلغلت في أعماقه، فهو لا يكتب عن بعد ولكن عن تجارب حيّة وممارسات واقعية، وكـأن قلبه ووجدانه يشارك بنانه هو يخط هذه الرسائل القيمة، الأمر الذي جعل البعض يلقبونه: (بالشارح الأول لمبادئ الإخوان المسلمين).

واليوم نقف مع واحدة من روائعه الحكيمة في فقه الدعوة، حيث قال:
«والأخ المسلم المخلص لربه؛ لا تفتر همته في بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق، ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر، فالمطلوب منه العمل وبذل الجهد كله دون تقصير؛ مع إخلاص النية، أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب»(2) 

ومفاد هذا التوجيه أن ما يلزم رجل دعوة:
أن يخلص نيته في عمله.
أن يبذل الجهد ويستفرغ الوسع.
أن يواصل السير على الطريق، ويثبت أمام ما تقابله من عقبات ومحن.
ألا يتخلل اليأس والفتور إلى قله لتأخر النصر وبعد النتائج.
ألا يستبطئ النصر ويستعجل النتائج.
أن ينشغل بالعمل المخلص المحكم أكثر من انشغاله بتحقيق النتائج.
أن يوقن أن الله لا يضيع أجر العاملين المخلصين.

رحم الله فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور برحمته الواسعة، وجعل جهده وجهاده على طريق الدعوة والتربية والأصالة في ميزان حسناته، ونفعنا وإخواننا بذلك.

ومن هذا المنطلق وتلك البداية: أنصح نفسي وإخواني بالتزود الدائم من سلسلة رسائل (من فقه الدعوة) لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور، ففيها رصيد زاخر من الفكر الصحيح، والرؤية الواضحة، والتجربة الحية على طريق الدعوة، فقد جمع فيها رحمه الله بين (أصالة الدعوة – ورصيد الخبرة – وروعة التجربة)، وقضى ما يقرب من 65 سنة من عمره على طريق الدعوة، عاملًا ثابتًا محتسبًا، فجزاه الله عنا وعن الدعوة والإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وللحديث (في رحاب فقه الدعوة) بقية إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.

—————
(1) من مقال منشور بمجلة المجتمع الكويتية، العدد 1528، 2002/11/23
(2) من كتاب: مقومات رجل العقيدة، للأستاذ مصطفي مشهور.

0 Comments to “في رحاب فقه الدعوة (1)”

اترك تعليقا