في ظلال المناجاة.. (يَا رَبِّ)

في ظلال المناجاة.. (يَا رَبِّ) – بقلم: عامر شمّاخ

(يَا رَبِّ).. كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة فى الميزان، دعا بها الأنبياء والمرسلون، ورددها الأولياء والصالحون؛ فانفتحت لهم أبواب رحمة الله، وآتاهم من فضله، وانكشفت بها الهموم والغموم، وجاء الفرج من قِبَل المنادَى -جلّ جلاله- مؤكدًا أنه مجيب المضطر إذا دعاه، كاشف السوء، الذى لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.

حين تيأس قل: يَا رَبِّ، وحين تعجز قل: يَا رَبِّ، وحين تُظلم وحين تخشى عدوًّا وحين تحتاج نجدة قلها واثقًا أن ربك يسمعك، قلها وأنت على يقين بأنك لن تُرد ولن تُخذل ولن يخيب رجاؤك فيمن قصدتَ: الله تقدست أسماؤه، رددها ترديد محب، افهم معناها، وأدرك أن المقصودَ – سبحانه – لا يعجزه شىءٌ فى الأرض ولا فى السماء، وأن أمره بين الكاف والنون، وأنه الخالقُ البارئُ المصورُ، ذو العرش المجيد، الفعَّال لما يريد.

قلها وقد أصلحتَ ما بينك وبين الله؛ حتى إذا ناديت لبَّى واستجاب؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ولا تكنْ ممن عابَهم النبىُّ ﷺ فى حديثه المشهور: قالَ: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وقال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّىَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟».

وإن مما ورد من لطائف حول هذا النداء واستنبطها العلماء من آيات القرآن الكريم؛ ما جاء فى أواخر سورة آل عمران حيث تكررت اللفظة خمس مرات فى مفتتح خمسة أدعية متتالية، ثم جاءت الآية بعد هذه النداءات بجملة: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ.)؛ فاستُحبَّ ترديدها خمس مرات قبل الدعاء لمن أراد أن تذلل مصاعبُه، وتُهوَّن مصائبُه، ويُقرَّب بعيدُه، وييسر عسيرُه، والمجرِّبون على اتفاق أنها تجعلهم فى معية رب الأرباب، فيتحدَّوْن بها شياطين الإنس والجان، ويواجهون بها الظالمين المتكبرين، ويُعانون بها على ما أثقل كواهلهم إذ صاروا فى ذمة الحى القيوم من لا تأخذه سنة ولا نوم.

وقد صح أن تُقال اللفظة مجردة، أى لا يتبعها دعاء؛ إذ فيها الكفاية لإيصال ما يريد الداعى بها، فضلًا عما تتركه فى النفس من شعور بالاطمئنان وتحقيق المراد؛ يؤكد ذلك ما جاء فى حديث الشفاعة؛ « ثم يُقال: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسى فأقول: أمتى يا رب، أمتى يا رب، أمتى يا رب»، والله أعلم بما فى صدور العالمين، وهو أحنُّ من الأم بوليدها، علَّام الغيوب.

ويمكن للداعى أن يردد ما جاء فى القرآن من أدعية بهذه الكلمة، وهى كثيرة، وجلها دعاء النبيين والمرسلين فى أوقات شدتهم وكربهم، ومن المستحب تكرارها فى الصلاة والتلاوة، ويمكن ترتيبها فى أوراد؛ إما حسب ورودها فى المصحف، أو حسب موضوعها، وهى إن رُتبت على أى الوجهين فإنها تملأ القلوب راحة وسكينة، وتعالج كل ما يقع علينا فى الدنيا من هموم وغموم؛ فمثلًا من الاستغاثة بالله من الظالمين وشرّهم: (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء: 80]، (رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 94]، (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) [الشعراء: 169].

ولو داوم المؤمن على المناجاة بأدعية القرآن التى افتُتحتْ بهذه اللفظة لكان أسعد الناس وأوفرهم حظًّا؛ شريطة حضور القلب واليقين فى الإجابة، نقول هذا لأننا نجد الإجابة عقبها؛ فمن قال من النبيين: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء: 89] رُزق بنبى، وهو وزوجه لا يصلحان للإنجاب، ومن قال: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [نوح: 26] أُغرق من عاندوه وكذبوه بما لا يتوقعونه، ومن قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) أُعطِى ما أراد.وهكذا فى سائر الآيات: دعوة مخلصة من قلب يملؤه اليقين ولا يداخله شك، تكون الإجابة ويكون الجبر من الله تعالى.
اللهم ربنا، رب كل شىء ومليكه، اشرح صدورنا، يسِّر أمورنا، آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.

———————–

اترك تعليقا