قلوبُ الإخوان لن تضيق بدعوتهم – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
لقد ارتبطت قلوب الإخوان المسلمين بدعوتهم، وتعمق حبها في نفوسهم، وتحركت بها جوارحهم، وهتفت بمبادئها حناجرهم، لِمَ لا؟ وهي دعوة الحق التي سمت بنفوسهم، ووحدت على الحق قلوبهم، وفي محاضنها وبرامجها استقامت طريقتهم، واستنارت عقولهم، وتوحدت مشاعرهم، والتقت على الحب والإخاء قلوبهم، ونمت قدراتهم، وارتقت مهاراتهم.
لِمَ لا يحبون دعوتهم؟ ، وقد نقلتهم من دائرة السكون والعجز إلى ميادين العمل والفعل، وحولتهم من أناس يعيشون لذواتهم وأنفسهم إلى أصحاب رسالة يبذلون لأمتهم وينشغلون بأقوامهم ومجتمعاتهم.
لِمَ لا يحبون دعوتهم؟ وقد جعلت لحياتهم قيمة وهدف، يعيشون لغاية عظيمة هي رضى الله تعالى والفوز بجنته، من خلال العمل الدائب لنصرة دينهم والسعى المتواصل للتمكين لدعوة ربهم، فلا يعبثون بأعمارهم وأوقاتهم كما يعبث العابثون، ولا يتخبطون هنا وهناك كما يفعل اللاهون الهائمون.
لِمَ لا يحبون دعوتهم؟ وقد علمتهم التضحية والفداء، وغرست فيهم قيم البذل والعطاء، في زمن انتشرت فيه الأثرة والأنانية، كما أحيت فيهم روح الجهاد والمجاهدة ومقاومة الظلم والطغيان، في زمن غابت فيه النخوة وقلت فيه صور النُصرة، وبالتالي تحولوا في ظل هذه الدعوة المباركة إلى مجاهدين مقاومين، يتحركون لنُصرة المظلوم، ويقفون مواقف الرجولة في وجه الطغيان والظلم والاستبداد.
لقد آمن الآخوان المسلمون «بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها». رسالة التعاليم. لأنهم أيقنوا أن فكرتهم إسلامية صميمة، وأن كل مبادئها وشعاراتها الثابتة تظلها ظلال الربانية، وهذه المبادئ والشعارات التي يهتف بها الإخوان المسلمون في دائمًا، هي: (الله غايتنا – الرسول قدوتنا – القرآن دستورنا – الجهاد سبيلنا – الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وكلها مبادئ متجردة لا تجد فيها حظ لنفس أو منصب أو جاه أو سلطان، أو ارتباط بأشخاص أو تعصب لبشر، إنها مبادئ خالدة خالصة. (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (138: سورة البقرة.)
ولهذا ارتبطت قلوب الإخوان بدعوتهم، فضحوا من أجلها، وعاشو بها ولها، باعتبارها دعوة الإسلام الخالصة النقية التي جاء بها النبي محمد بن عبد الله ﷺ. يقول عنها الإمام البنا: «كذلك كانت وستظل دعوة إسلامية محمدية قرآنية، لا تعرف لونًا غير الإسلام الحنيف، ولا تصطبغ بصبغة غير صبغة الله العزيز الحكيم، ولا تنتسب لقيادة غير قيادة رسول الله ﷺ، ولا تعرف منهجًا إلا كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». مقال للإمام البنا (مايو 1938). وإن دعوة بهذه الأصالة لحريُّ بأبنائها أن يعتزوا بالانتماء لها، والعمل للإسلام تحت لوائها، وأن يجعلوها نُصب أعيونهم، وفي مكنون قلوبهم. وهكذا كان وسيظل حال الإخوان المسلمون مع دعوتهم.
وقد أوصى الامام البنا إخوانه يوميًا أن يقتدوا بأسلافهم الكرام في إخلاصهم وطهارة أرواحهم، وحبهم لدعوتهم حتى تتشبع بها أرواحهم، فتختلط نفوسهم بعقيدتهم وعقيدتهم بنفوسهم حبًا وتطبيقًا فقال: «إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم، وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شيء وقفا عليها، حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا، والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا، والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض بالقلب، معلول الغاية، مستور المطامع، مجروح الماضي، فأخرجوا من بينكم، فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق».
لماذا نحب دعوتنا؟ نحن الإخوان المسلمون نعلنها صريحة واضحة مدوية أننا نحب دعوتنا، ونضحى في سبيل فكرتنا، وإن ضاقت الأرض بنا فلن تضيق قلوبنا بدعوتنا، لماذا كل هذا الحب والفداء؟ الاستاذ عمر التلمساني – رحمه الله – يُجيب، فيقول نحن نحب دعوتنا لأننا: – «نحمل دعوةً تميزت بالصراحة في مواجهة الباطل وأنصاره أينما كانوا، دعوةً تميَّزت بالوضوح؛ فلا لفَّ ولا مداورة ولا استغفال، دعوة برَّأها الله من المطامع المادية، والتطلعات الدنيوية، والمصالح الذاتية، نزيهة من غبش الزيف، تزدان بالنبل في العاطفة، والسمو في حب الخير للناس جميعًا، بلا تفرقة بين خصوم وأصدقاء، فحب الخير لا يتجزأ». (مقال: نحن بخير حال – 1968)
رجال لا يبخلون على دعوتهم يقول الإمام حسن البنا: «ألا فليعلم هؤلاء وليُعلِموا غيرهم أن الإخوان المسلمين لا يبخلون على دعوتهم يوما ًمن الأيام بقوت أولادهم وعصارة دمائهم وثمن ضرورياتهم، فضلًا عن كمالياتهم والفائض من نفقاتهم، وأنهم يوم حملوا هذا العبء عرفوا جيدا أنها دعوة لا ترضى بأقل من الدم والمال، فخرجوا من ذلك كله لله، وفقهوا معنى قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التوبة 111، فقبلوا البيع وقدموا البضاعة عن رضًا وطيب نفس، معتقدين أن الفضل كله لله، فاستغنوا بما في أيديهم عما في أيدى الناس». الإمام حسن البنا – رسالة المؤتمر الخامس 1939
ويظهر المعدن النقي للإخوان المسلمين حيال دعوتهم في أثناء الفتن والمحن والابتلاءات، فلا تزيدهم هذه الخطوب والفتن إلا نقاءً، وبصبرهم وثباتهم على مبادئها لاتزعزعهم زلازل الشبهات ولا براكين الشهوات. ولقد تحمَّل الإخوان المسلمون كلَّ المحن الطاحنة التي نزلت بهم، لم يُضعف ذلك شيئًا من تمسكهم بمبادئهم، وارتباط بعضهم ببعض، وتعاونهم في حياتهم الخاصة والعامة، وحبهم لدعوتهم، والتفافهم حول قيادتهم وتحت رايتهم.
يقول الأستاذ عمر التلمسانى – رحمه الله – في آخر مقالاته: «لو أجمعت الدنيا بأسرها على مصادرة دعوة الإخوان المسلمين، فإنها أعجز من أن تصادرها في قلوبهم، وإذا ضاقت الأرض بأهلها، فإن قلوب الإخوان لن تضيق بدعوتهم، إن القلوب المخلصة عرش الرحمن الذي لم تسعه أرض ولا سماؤه، ووسعته قلوب عباده المؤمنين، هيبةً وعظمةً وإجلالًا وتكبيرًا، ما دامت هذه الركيزة متمركزةً في قلوب الإخوان، فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون». (مقال نحن بخير حال – 1986).
صدقت يا فضيلة الأستاذ عمر التلمسانى – عليك رحمة لله -، فلن تضيق قلوب الإخوان المسلمين بدعوتهم إن شاء الله، لأنهم يرون فيها حياة قلوبهم، وسلوى نفوسهم وأرواحهم، ويستشعرون في ظلالها الوارفة بلذة الجهد ومشقة السعي، آملين في عظيم الأجر، كما يشعرون فيها بنعمة اجتماع القلوب وجميل البيعة والعهد، ويسعدون فيها بحياة الإصلاح وسبيل الرشد.
من هنا وجب علينا نحن أبناء هذه الدعوة المجاهدة المباركة، أن تحيا دعوتنا أولا في قلوبنا، وتُسيطر على مشاعرنا، وتوجه اهتماماتنا، وتضبط سلوكنا، وتنظم أولوياتنا، ولنعلم جميعا أننا إن حملنا همها، وعشنا بها ولها، فسيكون في ذلك عزنا وفلاحنا، ولإن أقمناها بحق في نفوسنا، قامت وعلت في أرضنا وبين أقوامنا.
وختاما: نحيا بها كرامًا أو نموت كرامًا يقول الإمام حسن البنا: «سنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعا إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كراماً أو نموت كراماً، وسيكون شعارنا الدائم: (الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).» رسالة إلى الشباب. والحمد لله رب العالمين