
(لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا)
- zadussaerinweb@gmail.com
- يوليو 6, 2022
- التربية الدعوية
- 0 Comments
(لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) – د. محمد حامد عليوة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. وبعد.
من دروس القرآن الكريم؛ أن يحذر الإنسان من وساوس الشيطان، أو أن ينخدع بمكره، أو ينساق وراء خطواته، لأنه يدعو من يتبعوه إلى الفواحش والمنكرات؛ وفي ذلك خسران وحسرات، وتبديد للقدرات والطاقات، وتضييع للفرص والأوقات. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ). فكيف تسيرون خلف عدو مبين؟ عدو لدود لا يحب لكم الخير ولا يدعوكم إلى معروف وبر (وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). (الأنعام، 142).
ومن الآثار الضارة لاتباع الشيطان ما يتضح في قول الله تعالي: (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)). (سورة المجادلة).
وقد أورد صاحب التفسير الميسر في بيان هذه الآية: «إنما التحدث خفية بالإثم والعدوان من وسوسة الشيطان، فهو المزيِّن لها، والحامل عليها؛ ليُدْخِل الحزن على قلوب المؤمنين، وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئًا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته. وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به.»
وأورد السعدي في تفسيره: «(إِنَّمَا النَّجْوَى) أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين، بالمكر والخديعة، وطلب السوء من الشيطان، الذي كيده ضعيف ومكره غير مفيد.
(لِيَحزن الَّذِينَ آمَنُوا) هذا غاية هذا المكر ومقصوده، (وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالكفاية والنصر على الأعداء، فأعداء الله ورسوله والمؤمنين، مهما تناجوا ومكروا، فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه، (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي: ليعتمدوا عليه ويثقوا بوعده، فإن من توكل على الله كفاه، وتولى أمر دينه ودنياه.»
يتضح مما سبق أن من مقاصد الشيطان وأعوانه هو إيقاع الهزيمة النفسية بالمؤمنين وإحداث حالة من التشوش العقلي والضعف النفسي الناتج عن حالة الحزن والوهن التى قد تصيبهم نتيجة وساوس الشيطان ومكر أعداء الله بالمؤمنين.
لذلك وجب علينا أن نحذر ونحرص، نحذر من كل ما يشوش نفوسنا ويبعدنا أن أهدافنا ونحن نسير على طريق ربنا، إن أصابنا الهم والحزن. ونجتهد في أن تشرق عقولنا وتصفوا نفوسنا بنور المعرفة وضياء اليقين.

وفيما يلي بعض الوصايا والتوجيهات في هذا الإطار:
1- احذر من الأفكار التشاؤمية والنظرات السلبية للأحوال والأمور من حولك، لأن ذلك قد يسبب لك الشعور بالكآبة واليأس من الإصلاح والتغيير، وهو ما يؤدي إلى استنزاف لقدراتك وإضعاف لمعنوياتك، واعلم أن هذه هواجس من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). واحرص على الأمل الفسيح وكن إيجابيًا في نظراتك وممارساتك وتشبع بالأفكار الإيجابية، ففي الحديث (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وأحسن الظن بالله تعالى، واعلم أن ربك قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه سبحانه يقول للشيء كن فيكون.
2- احذر من جلد الذات وتسفيه النفس وتحقيرها وإشعارها بالعجز للحد الذي يُوصِّلها إلى اليأس والقنوط والاستسلام للواقع، . واعلم أن هذه هواجس من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). واحرص على الثقة بنفسك وقدراتك التى تستمدها من علاقتك بربك، عزِّز من ذاتك، والقرآن يربينا على العزة: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، واملأ نفسك دائما بالأمل الفسيح، لأن اليأس ليس من أخلاق المؤمنين، وبقدر الثقة بالنفس وإدراك ما أودعه الله فيك من قدرات؛ تتفجر بداخلك الطاقات وتذلل أمامك العقبات.
3- احذر من كثرة اللوم والعتاب الذي يُرهِق النفوس ويُوغِر الصدور ويُضعِف العلاقات ويفرق الجماعات، واعلم أن هذه هواجس من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). واحرص على التماس الأعذار وغض الطرف عن الهفوات والتغافل عن الزلات ما استطعت؛ عندها تجمع حولك القلوب وتهفوا لك النفوس، لأن اللبيب من تغافل لا من غفل، ورحم الله الخليفة معاوية بن أبي سفيان حين نصح ولده يزيد بن معاوية قائلًا له: «يا بني مَن عفا ساد، ومَن حلم عظم، ومَن تجاوز استمال إليه القلوب، فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء، فداوه بمثل هذا الدواء»
4- احذر من تجاهل المزايا وتضييع الفرص والتقليل من شأن ما لديك من امكانات ومزايا، واعلم أن هذه هواجس من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). واحرص على ترقب الفرصة واستثمار اللحظة وتوظيف الامكانية، وفتش في نفسك وابحث حولك ستجد ان الله قد حباك وميَّزك بها عن غيرك الكثير، بل أكثر مما تتصور لو أحسنت استثمارها وتوظيفها، وجعلتها سبيلا لمرضاة ربك وإعزاز دينك.
5- احذر من أن تضخم شأن عدوك أو أن تضعه في منزلة فوق قدره، أو أن تهاب الباطل الزهوق وأنت تحمل الحق الظاهر الغالب، واعلم أن هذه هواجس من الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). واحرص دائمًا أن تستعلى على الباطل ولا تضعف أمام عدو ظالم، فالظالم لا يحبه الله ولا يحبه الناس، وكن على يقين بهذه الحقيقة: (مهزوم من يخارب الله ويغالب القدر)، فلا تجعل لهذا المهزوم الضعيف قدرًا في نفسك، لأن الباطل زهزق ويحمل ضعفه فيه. (وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) سورة الإسراء
وختامًا: لا تجعل للشيطان عليك سبيلًا، ولا تجعل وساوسه تهزمك من داخلك، واستعذ بالله منه واستعن بالله عليه، فهو لا سلطان له على عباد الله المؤمنين. (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) سورة الحجر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.