نداء من القلب إلى رفاق الدرب

نداء من القلب إلى رفاق الدرب  –  بقلم: د. محمد حامد عليوة

هي رسائل من القلب إلى الأحبة على الدرب، رفاق الطريق وأصحاب الرسالة، العاملين لدين الله، أقولها لهم – ولنفسي من قبلهم – لنعتبر بها وننتفع بما فيها ونحن نسير إلى الله، ولا سيما في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها الدعوة، والسهام المسمومة التى تُوجه لها من كل حدب وصوب، والشبهات التي تُثار حولها من جانب.

وقد كتبتها على شكل نداء أو رجاء، آملاً أن ندقق في معانيها، ونلتزم عملياً بما فيها، وإليكم إخواني وأحبابي هذه الرسائل:

1- يا أخي: اجتهد أن تسد الثغور وتساوي الصفوف، وإياك أن يُؤتى الصف من قبلك، أو ينكسر من عندك، أو يتفرق الجمع بسببك، وكن في زمن المحن جامعًا لا مفرقًا، مثبتًا لا مثبطًا.

2- يا أخي: اجتهد أن تنتصر للحق والمبدأ لا لنفسك وذاتك، فقد تكسب موقفاً لنفسك، وتخسر قلب أحد إخوانك. فأيهما أنفع وأبقى لك ؟ موقف عابر تنتصر فيه لذاتك، أم قلب أخ تسعد به طول حياتك؟

3- يا أخي: من حقائق الواقع أن الجالس على الأرض لا يسقط، والذي لا يعمل لا يُخطئ، أما العاملون في الميدان، المجتهدون في السير؛ فمعرضون للخطأ كونهم بشر غير معصومين، ولن يُحرموا أجر الاجتهاد إن لم يصيبوا، والأصل في التعامل مع إخواننا وقادتنا أنهم محل ثقتنا. وحقهم علينا (الدعاء الخالص – النصح الدائم – والتماس العذر).

4- يا أخي: لا تستقل في سبيل الله جهد، ولا تستصعب مع عون الله شيء.
فيا صاحب الجهد وإن كان قليل، وَيَا صانع المعروف وإن كان ضئيل، لا تنشغل بقلة الجهد أو ضآلة المعروف عن حسن القصد فيهما، وأبذل ولا تنشغل برأي الناس في ذلك، فيكفيك أن الله يعلم ما يُكنه صدرك. (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ). (الإسراء من الآية 25)

5- يا أخي: اعلم وفقك الله، أن فترات المحن والشدائد في عمر الدعوات بحاجة إلى مزيد من الثقة وتلاحم الصفوف وترابط القلوب، لأن الخصوم والأعداء يستثمرون هذه الفترات العصيبة في شق الصفوف وإثارة الخلافات.
وبالتالي وجب علينا جميعاً ألا نسمح لهم بالتفريق بيننا، وتفكيك صفنا، والنيل من وحدتنا، وإضعاف روابطنا. (فأخوتنا سر قوتنا).

6- يا أخي: ليس من الإنصاف أن نعمم الأحكام، أو نقفز إلى النتائح دون معرفة الأسباب، ودون الوعي بالمسببات والمقدمات، وليس من الإنصاف مع إخواننا الذين عملوا واجتهدوا وفق المتاح لهم، أن نجمع عليهم (بخس) جهودهم و(غبن) إخوانهم، و(شماتة) خصومهم. فكن لإخوانك وقيادتك ولا تكن عليهم.

7- يا أخي: لا تتعجل الحكم على الأمور والأحوال والمواقف، دون تبين وتروي، لأنك في أغلب الأمور والأحوال – كفرد – لا ترى الصورة كاملة، وبالتدقيق والتبين تتضح جوانبها، لذلك تمهل حتى لا تندم على عواقب أحكام تسرعت فيها.

تمهل يا أخى الحبيب، وتثبت في كل ما تكتب وتنقل وتنشر، لأنك ستحاسب عليه. ولا تكن – في زمن الفتن – كمن يتلقون الأخبار بالسنتهم لا بآذانهم وعقولهم حتى يفكروا فيها وفي مآلاتها قبل نشرها ونقلها. وقد حذرنا المولى من عواقب هذا الأمر، الذي يظنه البعض هينًا وهو عند الله عظيم. (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور- 15).

8- يا أخي: إن احترام الكبار من لوازم الإيمان «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» (رواه الترمذي)، وإن احترام الكبار وتقديرهم من أسس الأخلاق ومظاهر التربية أيضاً، فما بالنا إذا كان هؤلاء الكبار من ذوي السبق إلى الدعوة، ومن أهل الصبر والثبات، ألا يستحقون منا أن ندعو لهم كما أمرنا المولى عز وجل في قوله (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَأنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَأنِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (10)) (سورة الحشر).

9 – يا أخي: أصحاب الدعوات بحاجة إلى الارتباط بكتاب الله عز وجل، للتزود من معينه الصافي، والانتفاع من خيره الوافي، ولذلك لا ينبغي أن يمر يومُ على أحدهم دون تلاوة وتدبر وانتفاع. فمن ثمار الارتباط بالقرآن الكريم، أنه: (تسكن به الروح – ويطمئنّ به القلب – ويرقى به الفكر – ويستقيم به السلوك – وتسمو به الأخلاق – وتُذلل به العقبات – وتُستجلب به الرحمات – وتُقضى به الحاجات – وتُجمع بِه القلوب – وبه العون والمدد لمواصلة السير على طريق الدعوة). فيا حسرة من أضاع هذه البركات، وحرم نفسه هذه النفحات!

10- يا أخي: إعلم وفقك الله، أن فترات المحن والشدائد التى تمر بها الدعوة؛ يكثر فيها التلاوم، ويزداد التطاول، ولا سيما ممن لم ينالوا حظاً وافياً من التربية الصحيحة، أو من ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء من بعض أحبتنا  ورفاق دربنا -للأسف الشديد-، فاحرص ألا تتاثر بذلك، وكن ناصحاً أميناً لغيرك في هذا الأمر.

والحقيقة، أن من يقضون أغلب الأوقات في التهكم والنقد والتجريح، ونشر الأكاذيب وإثارة الشبهات دون سند أو روية، ليس لديهم وقت لعمل جاد لخدمة قضيتهم ودعوتهم.
ولذلك نقول لهؤلاء: لو كُنتُم تنتمون للدعوة بصدق وتعملون لها بحق، لحرصتم على العمل بدلاً من الجدل، ولجبرتم التقصير بدلاً من والتشهير.

11- يا أخي: تذكر دائماً، أن معادن الرجال تظهر في أوقات الأزمات وفي أتون المحن. أما الفورات اللحظية والحماسات الوقتية التي لا تُلازمها قوة نفسية عظيمة وحالة قلبية قويمة؛ سرعان ما تنتهي وتتلاشى مع أول هزة. لذلك قال الإمام حسن البنا: «إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب.»
فليست الرجولة أن يمتلك المرء الشجاعة الوقتية والبطولة الشكلية؛ ولما يَجِدُّ الجدّ ويتطلب الأمر الجلد والصبر لا يتحمل متاعب الطريق ولا يمتلك القدرة على تحمل مشاقه.

12- يا أخي: أن تكون لبنة صالحة طَيِّعة خَفيَّة في صرح الدعوة تُسوي الصفوف وتسد الثغرات؛ خير لك الف مرة من شق الصفوف وتوسيع الثغرات والخروق، وإن علا صوتك وذاع أمرك وتنوعت قدراتك، فبئس الطاقات التي تفرق الجماعات.
فكم من مُجَمِعٍ خفيٍّ على هذا الطريق أفضل لدينه ودعوته من مُفَرِّقٍ بارز.
ورحم الله المربي الفاضل أ. محمدالعدوي حين قال: «احرص على دعوتك، ولا تجعل الصف ينكسر عندك».

13- يا أخي: الزم الطريق عاملًا باذلًا، وسر في ركب الأتقياء الأخفياء، فالخفي على هذه السبيل خير من الظاهر، ولا تلتفت لمن تمحور حول نفسه؛ وإن علا صوته وذاع أمره، فهو ظاهرة لن تدوم، ولا تنشغل بمن تنكب الطريق وانحرف عن الجادة؛ مهما كان قدره وكثر حشده، فسرعان ما ينزوي، فدعوتنا دعوة مبدأ، لا تقبل الشركة، ولا يصلح لها إلا من أحاطها، والتزم نهجها، وأخلص البذل لها.

14- يا أخي: اعلم حفظك الله ووفقك وأعانك، أن صاحب الدعوة، الذي يحيا بدعوته، وتحيا دعوته في قلبه؛ لا بدَّ أن يترك أثرًا صالحًا نافعًا أينما حل. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

وكُن في الطريق عفيف الخطى .. شريف السماع كريم النظر
وكن رجلًا إن أتوا بعدهُ .. يقولون مرّ وهذا الأثر!

15- وختاماً .. يا أخي الحبيب، يا صاحب الرسالة ورفيق الدرب: اجعلها كلها لله، ولا تبتغي بها سواه، فطوبى لعبد خالف هواه، وأخلص نواياه، وأحسن فيما أداه، وَيَا حسرة من خيَّب مسعاه، واتبع هواه، فأضله عن سبيل الله. وأعوذ بالله أن أذكرك بهذا وأنساه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

0 Comments to “نداء من القلب إلى رفاق الدرب”

  • wafaa.mashhour20

    جزاكم الله خيرا كثيرا اكرمكم الله واعزكم واعز بكم الدعوة مرسل من هاتف Samsung Galaxy الذكي.

    • zadussaerin

      جزانا الله وإياكم فضيلة المربية الأستاذة وفاء (أم عبد الرحمن). حفظكم الله ورعاكم، وزادكم من فضله.

اترك تعليقا