نظرات في تُراث الإمام حسن البنا (2)

رعاية النشء الجديد – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

نستكمل النظر فى مختارات من تراث الإمام الشهيد حسن البنا، نلقي الضوء عليها، ونستخلص منها بعض الدروس التربوية، والفوائد الدعوية، التى تمثل لنا زاداً على طريق الدعوة.

(حول رعاية النشء الجديد)

أورد الإمام حسن البنا فى رسالته القيمة: (الإخوان المسلمون تحت راية محمد ﷺ وفى سبيل هديه)، – والمشهورة بيننا برسالة: (الإخوان تحت راية القرآن) – ما ما يلي:

«ولكنها مهمة هذا النشء الجديد، فأحسنوا دعوته، وجدوا فى تكوينه، وعلموه استقلال النفس والقلب، واستقلال الفكر والعقل، واستقلال الجهاد والعمل، واملئوا روحه الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن، وجندوه تحت لواء محمد ورايته، وسترون منه فى القريب ؛ الحاكم المسلم الذى يجاهد نفسه ويسعد غيره».(*)

الفوائد التربوية والدروس الدعوية من هذا التوجيه:

1- أن الأجيال الجديدة، والنشء القادم هم أمل هذه الدعوة، ومستقبلها الواعد – بإذن الله تبارك وتعالى – إن أحسنا دعوتهم ورعايتهم، وكنا جادين فى تربيتهم وتكوينهم. وهو ما يُحمل السابقين عبء انتقاء هذه العناصر الصالحة، واستيعابها ورعايتها تربوياً. وهي عملية ليست يسيرة، وبحاجة لجهد وبذل وجد وتعب، لهذا ينصح الإمام البنا، بضرورة الجد نحو فى تكوين هؤلاء الناشئة، فيقول: «جدوا فى تكوينهم».

2- على من يقومون برعاية المقبلين الجدد على الدعوة، وحديثي العهد بها أن يكونوا قدوة فى أقوالهم وأفعالهم، قدوة فى عبادتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، لأن تحقق القدوة فى السابقين بمثابة معيار نجاحهم وتأثيرهم فى اللاحقين. وهو ما يؤكد الحقيقة التربوية القائلة: أن المتربى على شاكلة من يربي ، فإن أحسن المربى تحسن المتربي. وأيضا الحقيقة التربوية القائلة: (بقدر جهدك مع نفسك، يكون أثرك فى غيرك).

3- الإمام البنا يُفصل فى جوانب تربية هذا الجيل الجديد فيقول: «علموه استقلال النفس والقلب، واستقلال الفكر والعقل، واستقلال الجهاد والعمل». والمدقق فى هذه الجوانب الثلاثة يجد الشمول جوانب البناء، فهي تشمل الجوانب الأساسية للشخصية الإنسانية (القلب) ممثلاً فى إستقلال النفس والقلب، و(العقل) ممثلاً فى إستقلال الفكر والعقل، و(الجوارح) ممثلة فى إستقلال الجهاد والعمل. وما يرتبط  بهذه الثلاثية فى التربية والبناء بمجالات الأهداف التربوية (الوجدانية – المعرفية – المهارية)، التى يجب أن نراعيها ونهتم بها فى بناء الجيل. وهو ما يؤكد  على ضرورة شمول التربية لجوانب الشخصية الإنسانية، حتى تنمو  الشخصية نمواً سويّاً بلا ترهلات أو نتوءات، أو قصور وتشوهات. 

4- أن الجوانب الثلاث التى تحدث عنها الإمام فى تربية هذا الجيل الجديد  تؤكد رغبته فى أن نقدم للدعوة شخصيات متميزه، (نفسياً وروحياً – فكرياً وعقلياً – عملياً وحركياً)، وقد قدم الإمام البنا (الإستقلال النفسى والقلبي)، لما لهما من أثر فى بقية جوانب الشخصية، فكلما كان الفرد مستقراً فى تكوينه النفسي، ونقياً فى تكوينه الروحي والقلبي، كان عطاءه عظيم، وسلوكه قويم، وفلاحه عميم، وهي نتائج طبيعية وانعكاسات واقعية لحالته النفسية والروحية. وهذا مصداقاً لقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)).الشمس، وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)) الأعلى. وقول رسول الله «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». متفق عليه

5- الامام البنا يريد الشخصية ذات العقل الراجح المستقل، الاستقلال الذى يجعل العقل لا يرضخ للواقع الضعيف، ولكن يقبله ليغيره ويطوره ويحسنه، فلا وهن ولا عجز، الاستقلال الفكري والعقلى الذى يحرر صاحبه من الأهواء والظنون، والتقليد الأعمى دون إعمال للعقل والفكر، الإستقلال الفكري والعقلى الذى يُثرى العمل داخل الجماعة وينهض به، استقلال عقلى وفكري يطور العمل الجماعي لا يقوضه، ويجدد فيه ولا ينقضه.

والإمام البنا يشير إلى أهمية بناء الفرد وحُسن تكوينه، لما له من أثر ودور فى بناء أمته إذا صحت رجولته، فيقول: «وإنى أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد فى وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته» رسالة: هل نحن قوم عمليون ؟ .

6- نريد جيلاً لديه القدرة على العمل والإنجاز، جيلاً عملياً لا نظرياً، جيلاً يُقدم ويُضحى من أجل دعوته ودينه، جيلاً لا يرضى بالدون فى أي جانب من جوانب حياته ودعوته، ولكنه يرغب دائماً فى المزيد من الخير والجهد وجميل العمل، يريد يوم دعوته أفضل من أمسها  وغدها أفضل من يومها، يُمسى ويُصبح يفكر لها ويحمل همها، ويتحرك بها فى كل ميدان دون توان أو كسل.

7- يوجهنا الإمام البنا إلى أن الروح الوثابة لدى الجيل الجديد تحتاج منّا إلى استثمار ورعاية، فنجتهد فى أن تحيا هذه الروح فى كنف الإسلام وروعة آدابه وأخلاقه وتعاليمه، وتترعرع فى رياض القرآن وتحيا تحت ظلاله الوارفة، هذه الأرواح الشابة التى إن ارتبطت بربها وهدي نبيها وعاشت تحت راية قرآنها ولواء حبيبها، سيكون لها ما كان لأسلافها الكرام، الذين فتحوا الدنيا بإيمانهم وجهادهم رغم قلة عددهم وعتادهم. فنشروا الخير والعدل فى المشارق والمغارب، وأسعدوا الدنيا بفتوحاتهم. «إذا وجد المسلم الصحيح، وجدت معه وسائل النجاح جميعاً».

8- ونظرا لقلة الخبرة ونقص التجربة لدى المبتدئين بشكل عام، يخاف البعض أن يتقدموا العمل الدعوي فى بعض ميادينه مخافة الخطأ أو الانحراف، سواء يكون الخوف والتردد مصدره الشباب أنفسهم أو بعض السابقين لهم على الطريق.

والأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – له توجيه لطيف فى هذا الباب، أورده فى أحد مقالاته، فقد ذكر رحمه الله: «كما لا يدفعنا الخوف من الخطأ إلى عدم تقديم الأجيال الناشئة إلى تحمل المسئوليات ، ولكن نكلفهم ونرشدهم ونصحح لهم حتى يحتلوا مواقعنا عن خبرة وتجربة». (مقال: العمل والانتاج وبذل الطاقة – مجلة الدعوة – مارس 1981)

9- خلاصة القول فى هذا الأمر: «أن نُحسن دعوة هذا الجيل الجديد، ونبذل الجهد فى رعايته وتكوينه، رعاية شاملة لقلبه وعقله وجوارحه، ولنستثمر روحه الوثابة وعطاءه الكبير؛ فنُظله بظلال القرآن، ليحيا ربانياً ملتزماً بتعاليم دينه، منطلقا بها بين الناس تحت لواء نبيه العظيم، يحمل الخير للجميع، فيُسعدهم بتضحيته وجهده، ويسعد هو فى دُنياه وآخرته، جزاء بذله وتضحيته».

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

———————————
(*) رسالة: الإخوان المسلمون تحت راية محمد ﷺ وفى سبيل هديه، 20 صفر 1358هـ- الموافق 11 أبريل 1939م. وهي الرسالة المشهورة تحت إسم: (الإخوان تحت راية القرآن).

اترك تعليقا