نعمة الأخوة في الله والاجتماع على الحق

نعمة الأخوة في الله والاجتماع على الحق (*) الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله

أيها الإخوان الكرام: إنها لنعمة كبرى وسعادة تسمو على الوصف والتعبير أن يجتمع إخوان متحابون في الله تبارك وتعالى من بلدان مختلفة وأماكن متباعدة في صعيد واحد لا يجمعهم رحم واشجة، ولا تضمهم قرابة واصلة ولا يؤلف بينهم نسب وصهر ولا توحد صفوفهم مصلحة مادية أو غاية دنيوية إنما هو الحب في الله، والاجتماع عليه والعمل له والاستجابة لدعوته.

فاستبشروا أيها الإخوان فإني أرجو أن نكون إن شاء الله تعالى ممن يستجيبون لنداء الله يوم يدعو داعيه: «أين المتحابون فِيَّ؟ أين المتزاورون فِيَّ؟ أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي».

لقد أجبتم الدعوة وسارعتم في التلبية واجتمعتم هذا الاجتماع الرائع على حين نرى أن الدعوات تذهب هباء والاجتماعات تكرر مرارًا ثم لا يجدي ذلك شيئا لفرقة القلوب واختلاف الأهواء. قد أثبتم بذلك وحدة قلوبكم وائتلاف أرواحكم ومتانة رابطتكم حرسها الله وجعلها خالصة لوجهه خالدة في سبيله.

وقد فكرت أن أشكركم فذكرت أن الدعوة من الله وله وما أنا فيها إلا جندي مثلكم دعيت فأجبت فوكلت شكركم وحسن مثوبتكم إلى الله الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين. أيها الإخوان الكرام: الغاية من اجتماعنا هذا التفكير في الوسائل العملية الناجعة التي يجب أن يقوم بها رجال فكرة الإخوان المسلمين للوصول إلى غايتهم القدسية النبيلة وإني لقوي الأمل بأن يكون لهذا الاجتماع أثره المحمود إن شاء الله تعالى في تحقيق هذه الغاية وهو يضم خيرة المخلصين المفكرين من رجال جمعية الإخوان المسلمين.

فاعلموا أيها الأحباب أن اجتماعكم هذا أمر له ما بعده وهو أساس عظيم في بناء دعوتنا فأحب أن تكون مناقشاتنا على هذه الأصول
أولًا: نخلص ضمائرنا لله ونستلهم الله الرشد بقلوب صادقة التوجه فإن الأمر كله لله وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.
ثانياً: أن نذكر أصول المناقشة في الاستئذان والهدوء والإيجاز وترك الحرية للقائل حتى يفي موضوعه فلا يقاطع، وترك الجدل في الجزئيات ليقرر كل رأيه ويدلل عليه بما يرى من الأدلة وفي ذلك ما يكفيه عند هدم رأي أخيه.
ثالثاً: طول التفكير والأناة ووزن الأقوال وزنا دقيقا والصراحة التامة في إبداء الرأي فإننا جميعا نتلمس الخير ونسأل الله أن يوفقنا إليه والله حسبنا ونعم الوكيل.

واعلموا أيها الإخوان أن الإسلام والوطن الإسلامي العام يدعوكم لإنقاذه أنتم يا من اشتغلتم بوسائل هذا الإنقاذ العالمية منذ سبع سنوات دائبة كل يوم كان الناس جميعًا لا يؤمنون بخطتكم وها هم أولاء اليوم يعودون إليها تباعًا جملة بعد جملة، ويجزمون بأنها هي السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة.

أيها الإخوان الكرام: الساعة تستدعي فيكم مجهودًا وعملًا وسأعمل إن شاء الله تعالى وقد وطدت العزم على العمل والتضحية في سبيله فمن شاء أن يكون منكم معي – وليتحمل في هذه السبيل ما يتحمل – فليتقدم، ومن علم من نفسه الضعف عن تحمل التضحيات في سبيل الواجب فليتأخر حتى نعلم كم نحن فنحدد جهودنا بقدرنا (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) ولا يتوسط أحد في الإجابة فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)). سورة التوبة

(*) كلمة الإمام حسن البنا -رحمه الله- في افتتاح مجلس الشورى الثالث (المؤتمر الثالث للإخوان المسلمين) والذي عُقد بالقاهرة فى عطلة عيد الأضحى، بتاريخ 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الإثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935م، وقد حضره ما يزيد عن مائة عضو؛ وكان مؤتمرا حافلًا وضعت فيه عدة قواعد ولوائح، وناقش المجلس كثيراً من قضايا الجماعة التربوية والإدارية وغيرها من القضايا، وألقى فيه المرشد العام الأستاذ حسن البنا كلمة الافتتاح.

One Reply to “نعمة الأخوة في الله والاجتماع على الحق”

  • غير معروف

    رحمة الله تعالى على إمام الجيل ومجدد القرن
    الملهم الموهوب

اترك تعليقا