وجدت فيه ما لم أجد في قبيله أو أهل جيله

وجدت فيه ما لم أجد في قبيله أو أهل جيله
بقلم: الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات (*)
كتب يوماً عن شخصية الإمام حسن البنا، وهي بمثابة شهادة أحد الأعلام في زمانه، وأحد كبار المفكرين والأدباء بين أقرانه، وهو الأستاذ الكبير
أحمد حسن الزيات – رحمه الله -، والذي قال:

«وجدت فيه ما لم أجد في قبيله أو أهل جيله: من إيمان بالله راسخ رسوخ الحق، لا يزعزعه غرور العلم، ولا شرود الفكر، وفقه في الدين صاف صفاء المزن، لا يكدره ضلا ل العقل، ولا فساد النقل، وقوة في البيان مشرقة إشراق الوحي، ولا تحسبها عقدة اللسان، ولا ظلمة الحس، إلى حديث يتصل بالقلوب، ومحاضرة تمتزج بالأرواح وجاذبية تدعوك إلى أن تحب، وشخصية تحملك على أن تذعن فقلت في نفسي بعد أن ودعني ومضى: (عجيب) هذا الشاب: نشأ كما ينشأ كل طفل في ريف مصر، وتعلم كما يتعلم كل طالب في دار العلوم، وعمل كما يعمل كل مدرس في وزارة المعارف، فعمن ورث هذا الإيمان، وممن اقتبس هذا البيان، ومن أين اكتسب هذا الخلق؟

إن الشذوذ عن قواعد البيئة الجاهلية، والنشوز عن أنظمة المجتمع الفاسد، والسمو على الأخلاق العصر الوضيع، من خصائص الرسول أو المصلح، فإن الله يعلم حيث يجعل رسالته، يريد أن يصنع النبي أو المصلح على عينه ليظهر في وقته المعلوم، فيجدد ما رث من حبله، ويوضح ما اشتبه من سبيله، والفطرة التي فطر عليها حسن البنا، والحقبة التي ظهر فيها تشهدان بأنه المصلح الذي اصطنعه الله لهذا الفساد الذي صنعه الناس.

ولم يكن إصلاحه ـ رضوان الله عليه – من نوع ما جاء به ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، ومحمد عبده، فإن هؤلاء قصروا إصلاحهم على ما أفسدته البدع والأباطيل من جوهر العقيدة، أما هو فقد نهج في إصلاحه منهج الرسول نفسه: دع إلى إصلاح الدين والدنيا، وتهذيب الفرد والمجتمع، وتنظيم السياسة ولحكم، فكان أول مصلح ديني فهم الإسلام على حقيقته، وأمضى الإصلاح على وجهه، لم يفهم الإسلام الذي طهر الأرض وحرر الخلق، وقرر الحق على أنه عبادات تؤدي، وأذكار تقام، وأوراد تتلى، وإنما فهمه كما فهمه محمد وعمر وخالد نوراً للبصر والبصيرة ودستوراً للقضاء والإدارة، وجهاداً للنفس والعدو.

ولقد كان النهج الذي قبسه (البنا) من القرآن وعززه بالعلم ونشره بالبيان وأيده بالمعاملة كان من الجد والصدق والعزيمة، بحيث زلزل أقدام المستعمر، وأقض مضاجع الطاغية، وخيب آمال المستغل، فتناصرت قوى الشر على الدعوة العظيمة، وهي تجدد في مصر، كما تناصرت قوى الشرك عليها وهي تولد في الحجاز، ولما كان حسن البنا فكرة لا صورة، ومبدأ لا شخصاً، فإن الفكرة الصالحة تنمو نماء النبت، والمبدأ الحق يبقى بقاء الحق.»

(*) أحمد حسن الزيات: هو أحمد حسن الزيات باشا (16 جمادى الآخرة 1303هـ – 2 إبريل 1885 – 16 ربيع الأول 1388هـ – 12 مايو 1968م) من كبار رجال النهضة الثقافية في مصر والعالم العربي، ومؤسس مجلة الرسالة. اختير عضوا في المجامع اللغوية في القاهرة، ودمشق، وبغداد، وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1962م في مصر.

اترك تعليقا