أخطاء في فهم المحنّ والابتلاءات

أخطاء في فهم المحن والابتلاءاتبقلم: الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله

أولًا: من الخطأ أن يظن البعض أن المحن ليست أمرًا طبيعيًا علي طريق الدعوة أو أنها نتيجة أخطاء وقعت فيها قيادة الجماعة، ثم يُثار مثل هذا الفهم الخاطئ في الصفوف فيحدث بلبلة مما يضر بالسير علي الطريق. وقد رأينا عكس هذا الفهم هو الصحيح، وأن تعرضنا للمحن دليل علي أننا نسلك سبيل أصحاب الدعوات، ولو أننا لم نتعرض للمحن للزم التساؤل عن حدوث خطأ أو انحراف. وهل من المقبول أن يقال إن الرسول والمؤمنين معه والرسل الذين تعرضوا للأذى كان ذلك نتيجة أخطاء صدرت منهم؟ ولكن حقيقة الأمر أن أعداء الله يحاربون دعاة الحق خشية أن يزهق هذا الحق باطلهم. والآيات والأحاديث خير دليل علي أن المحن والابتلاءات أمر طبيعي علي طريق الدعوة.

ثانيًا: أن تُحدث المحن اهتزازًا في الثقة بالطريق بأن يقال لو أننا علي الحق لنصرنا الله ولما مكن أعداء الله منا يفعلون بنا ما يفعلون، وقد يثير ذلك المشككون ويتأثر بهم البعض وهذا فهم خاطئ كما أوضحنا في البند السابق. وقد قال أحد المسئولين عن زبانية التعذيب لنا مثل هذا المعني في محنة 1965 قال: إن الحكومة والرئيس عبد الناصر علي الحق وأنتم علي الباطل لأنكم لو كنتم علي حق لنصركم الله ولَمَا حدث لكم ما أنتم فيه، وهذا نفس منطق فرعون مع موسي عليه السلام ومنطق المنافقين.

ثالثًا: ومن الانحراف أن يظن البعض أنه كان من الممكن تفادى المحن بشيء من الحكمة والسياسة أو ما يسمونه (الدبلوماسية) مع الأعداء، ولكن المسئولين ليس عندهم شيء من ذلك فلهذا حدث ما حدث. وهذا أيضًا فهم منحرف خاطئ، إذ لن يتوقف الأعداء عن حربهم لأصحاب الدعوة بقصد القضاء عليهم وعلي دعوتهم إلا إذا تخلوا عنها أو علي الأقل تنازلوا عن بعض جوانبها وخاصة التي تؤذي الأعداء أو تنال منهم ومن مكانتهم واعتقادهم.

رابعًا: أن تؤدي المحن إلي القعود في الطريق وعدم مواصلة السير، فالأصل هو الثبات وأن نوطد أنفسنا علي الصبر والتحمل واستمداد العون والثبات من الله، وإلا لو تصورنا أن الغالبية العظمى اتخذت هذا الموقف ولم يثبتوا لتعرضت الحركة إلى مخاطر ولأدى ذلك إن تثبيط همم الأجيال التالية، بعكس الأصل وهو الثبات واجتياز المحن والشدائد فإنه يبعث العزيمة في نفوس هذه الأجيال. ومما يعين علي الثبات المقارنة بين عذاب الله وفتنة الناس فنجد الفارق كبيرًا جدًا فتحمل فتنة الناس نجاة من عذاب الله ولا نجعل فتنة الناس كعذاب الله.

خامسًا: يحدث أن يضعف أثناء المحن بعض من كانوا في مواقع مسئولية قبل المحن، فيظن البعض أن ذلك دليل علي سوء اختيار القيادات وأن الأمور تسير هكذا بدون دقة أو بمجاملات أو غير ذلك وهذا فهم خاطئ غير صحيح. فإن قدراتنا كبشر لا تمكننا من أن نعرف أن فلانًا إذا تعرض لمحنة سيثبت أو لا يثبت وبالتالي يختار مسئولًا أو لا يختار، ولكن يحدث الاجتهاد في الاختيار بما لا يظهر والقلوب والغيب عند الله.
سادسًا: من الخطأ أن نعطل حكمة الله في المحن وهي التمحيص وتمييز الرجال، ويكون ذلك بأن نقدم للقيادة أو مواقع المسئولية بعض من ضعفوا ولم يثبتوا أثناء المحن، وقد يعاودهم الضعف عند التعرض لشدة أو محنة أخري فيكون ضررهم وهم في مواقع مسئولية كبيراً.

سابعًا: كذلك من الخطأ ألا نعذر من لم يتحمل الأذى لشدته وبدا منه ضعف دون أن يتحول أو ينقلب علي عقبيه. فلا يصح أن يوصد الباب في وجهه أو يحال بينه وبين العمل للدعوة فقد ضعف حاطب بن أبي بلتعة وقد وجدنا المولي يخاطبه فى سورة الممتحنة بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..‏) فكان هذا تعليمًا وتوجيهًا للصف المسلم ولكن يأخذ المكان المناسب ولا يحمل تكاليف أكثر من طاقته، ولا توكل إليه ثغرات لها أهميتها.

ثامنًا: ومن الخطأ إزاء المحن أن يصبح همنا هو كيف يوقف الإيذاء والتعذيب عن الأفراد بأي صورة ولو علي حساب الدعوة والعمل الإسلامي، كأن نذل أنفسنا لأحد من الظالمين أو نبرم اتفاقات فيها تنازل عن شيء من أصول الدعوة أو الأهداف أو ما شابه ذلك مما فيه مخالفة للشرع والأصول التي قام عليها العمل الإسلامي. ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد رأي أصحابه يعذبون وعرضوا عليه الملك والمال ورأينا رده في مثل هذه المواقف فالدعوة ونجاحها هو الأصل والقصد وليس الأشخاص.

تاسعًا: وثمة نقطة هامة وفهم خاطئ يقع فيه البعض بأن يظنوا أن المحن ضربات قاصمة أو قاضية أو مقعدة أو أنها بمثابة هدم لكل ما يتم بناؤه بما يثبط الهمم في بذل أي جهد مادامت النتيجة هكذا هدم لما يقوم من بناء. إذ لا يعقل أن تؤدي المحن إلي هذه النتائج والتصورات الخاطئة والضارة بالدعوة والدعاة وهي سنة الله في الدعوات إن الله قدرها لتنفع لا لتضر، لتبني وتصقل لا لتهدم، ليتقوى بها الدعاة ليواصلوا المسيرة في عزم وقوة لا ليقعدوا ويتوقفوا. إنها تنقي النفوس والنوايا من الشوائب والأغراض الدنيوية. إنها تطهر الصف من نقط الضعف وتميز بين المؤمنين والمنافقين وبين الصادقين والكاذبين، ليقوم البناء عاليًا بعد ذلك علي دعائم قوية ثابتة.

عاشرًا: قد يظن البعض أن استشهاد الشهداء خسارة لحقت بالجماعة بفقدها هذه العناصر الطيبة، لكن الحقيقة أن الجماعة ربحت بشهادتهم التي تعتبر زادًا ووقودًا يشعل جذوة الإيمان في قلوب المئات والألوف من الشباب الجدد ويعوض الله بهم الصف أضعافًا مضاعفة كما أن السجن وإن كان تضييقًا وتعطيلًا للطاقات ولكنه مدرسة نافعة لأصحاب الدعوات وفرصة لإعداد العناصر الممحصة المتجردة الصابرة، التي تضرب المثل والقدوة في الثبات على الحق رغم الشدائد وطول الزمن. (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)). البقرة

——————————–

اترك تعليقا