
أضواء على طريق الدعوة والتربية
- zadussaerinweb@gmail.com
- سبتمبر 14, 2021
- أخلاق وقيم تربوية
- 0 Comments
أضواء على طريق الدعوة والتربية – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
طريق الدعوة ميدان بذل وعطاء، وساحة تجرّد ونقاء، وبالتالي لا يصلح للسير عليها من يعملون ابتغاء مال أو جاه أو وظيفة أو منصب أو عرض من أعراض هذه الدنيا.
يقول الإمام حسن البنا لهذا الصنف من الدعاة: «فإن كنتم من الصنف الأول فتخلوا حالًا عن هذا الميدان الكريم، فما أفلح فيه نفعي قط، ويأبى الله أن يكون دينه القيم أحبولة لجر المغانم الدنيوية الزائلة.» نعم. ما أفلح على هذه الطريق نفعيّ قط؛ لأنها دعوة نقيّة وساحة زكيّة.
يقول الإمام ابن حزم -رحمه الله-: «وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك، ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه -وإن لم يعمدك بالرغبة- ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجلّ.»
ويقول -رحمه الله-: «ولا تنصح على شرط القبول، ولا تشفع على شرط الإجابة، ولا تهب على شرط الإثابة، لكن على سبيل استعمال الفضل، وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف.»
وهذه قاعدة جليلة ومعلم من المعالم على طريق الدعوة والتربية، مفادها: ألا ينتظر الداعية أو المربي نفعاً مادياً أو تقديراً أدبياً أو منصباً دنيوياً نتيجة بذله المعروف للناس بدعوتهم للخير وحثهم على سلوك الاستقامة، وألا يرقب ثناءً لبذله أو تمجيداً لفعله، فترك ذلك أولى في نقاء الأعمال من أي شائبة، وأولي في إقبال المدعويين عليه وفي ارتباط قلوب المريدين به، وهنا تبرز أهمية الإخلاص ومكانتة على طريق الدعوة والتربية، فهو مقام من مقامات تمام العبودية لله وصدق التوجه في الأعمال والأقوال والأحوال، (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)) (الزمر)، فلا ترقب لأجر أو جزاء إلا من الله وحده (لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9)) (الإنسان).
ولقد تعرض الإمام حسن البنا لهذا المعني وبشكل مباشر في رسالة التعاليم، حين تحدث عن الإخلاص كركن من أركان البيعة والعمل لدعوة الحق فذكر رحمه الله: «وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام :162). وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم: (الله غايتنا) و(الله اكبر ولله الحمد)».
ومن جميل ما ذكره الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في قول الله تبارك وتعالي: ﴿قُلْ إنَّ صَلاتىِ ونُسُكىِ ومَحْياىَ ومَماتىِ للهِ رَبِّ العـٰلمينَ﴾. (الأنعام: 162): «إنه التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب، وبكل حركة في الحياة؛ بالصلاة والاعتكاف، وبالحياة والممات؛ بالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه. إنها تسبيحة التوحيد المطلق، والعبودية الكاملة، تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات، وتخلصها لله وحده. في إسلام كامل لا يستبقي في النفس ولا في الحياة بقية لا يعبدها لله، ولا يحتجز دونه شيئًا في الضمير ولا في الواقع».
صدق التوجه وحسن الاستعداد:
ولأهمية الإخلاص وصدق التوجه لدى الدعاة والمصلحين، ذكر الإمام البنا: «أيها الإخوان المسلمون: إنكم تبتغون بعملكم وجه الله، وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين، ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال، ولكن كلفكم صدق التوجه وحُسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا مع ذلك ضعف الفائزين المصيبين». (رسالة المؤتمر الخامس)،
وأوصاهم يوماً في إحدى مقالته المنشوره (1362هـ- 1943م) فقال: «ولئن كانت لى وصية أوصيكم بها، فإن أولى وصياتى لكم أيها الأحبة الأعزة، أن يصدق توجه قلوبكم إلى الله وحده، وأن تشرق أرواحكم بمعرفته، وتمتلئ قلوبكم بخشيته، وتأنس أنفسكم بجمال اليقين وعظيم الثقة به، ودوام مراقبته فى كل قول وعمل، وأن تستقيموا على أمره، وتلتزموا حدوده وأحكامه، فذلك رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، وشتان ما بين قلب خاو لايتصل بالله فى شيء، وبين قلب استنار بأضواء الإيمان، وأشرق بشمس اليقين.»
تجرد لدعوته فأعزه الله:
يقول الأستاذ محمد قطب، شقيق الأستاذ الشهيد سيد قطب (رحمة الله عليهما): «حين أراد الأستاذ سيد قطب أن يلتحق بالإخوان المسلمين جمع مجلس العائلة للاستشارة، وكنت الوحيد الذي اعترض على هذا القرار، وكانت وجهة نظري أن التنظيمات – مهما اتسعت – تضيق بالمفكرين الكبار!.
لكن سيدًا أذهلني وقتها حين قال: «ومن قال إني أريد أن أدخل مفكرًا كبيرًا؟ أنا سأدخل جنديًا صغيرًا يريد أن يخدم دين الله». وكان هو محقًا رحمه الله.
من دلائل الإخلاص إسقاط اعتبار الناس
إجتهد أن تقول وتعمل ما يُرضى ربك، وما يوافق هديّ نبيك، وما يُخالف هوى نفسك؛ وعندئذ لا تلقى بالًا لرأي الناس فيما تقول وتعمل، لأنهم يرون ظاهرك والله يرى باطنك. ويكفيك أن يعلم ربك قصدك من قولك وعملك ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾. فمن دلائل الإخلاص إسقاط اعتبار الناس.
ورحم الله أبا حفص يوم قال لأبى عثمان النيسابوري: «إذا جلست للناس فكن واعظًا لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماع الناس عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله رقيب على باطنك».
عَليّكُم بِحُسنِ القَصْد
يا صاحب الجهد وإن كان قليل، وَيَا صانع المعروف وإن كان ضئيل، لا تنشغل بقلة الجهد أو ضآلة المعروف عن حُسن القَصد فيهما، واستمر في البذل وواصل السير في طريق الخير، ولا تنشغل برأي الناس في ذلك، فالله يرى ما لا يروّن، ويكفيك أن الله يعلم ما يُكنه صدرك وما تنشغل به نفسك، ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾.
خلاصة القول في هذا المعلم التربوي والدعوي:
إن للإخلاص على طريق الدعوة سر عجيب، وأثر بالغ يعود على الدعوة والدعاة، فهو للدعوة أساس القبول والتأييد والسداد، وللدعاة أساس التوفيق والهداية والرشاد.
لأنه مع الإخلاص (تتنزل البركات، وتقال العثرات، وتتحقق الفتوحات، وتعم الخيرات). ورحم الله الإمام ابن الجوزي حين قال: «إنما يتعثر من لم يُخلص»، وفقنا الله وإياكم إلى حُسن القصد وسلامة العمل.