أما لهذا العبث من آخر؟

أما لهذا العبث من آخر؟ بقلم: الدكتور أحمد الملط  – رحمه الله

هذا جزء من مقال بعنوان (أما لهذا العبث من آخر؟)، كتبه المرحوم الدكتور أحمد الملط، (نائب المرشد العام) وقد نشرته جريدة الشعب القاهرية الصادرة في 16-06-1992م، وقد تحدث في مقدمة المقال عن الهجمة التي تتعرض لها الدعوة والدعاة في مصر، من تضييق واعتقالات وتشويه، ووجه نقده ولومه لوزير الداخلية وقتها (عبد الحليم موسي)، وختم مقاله بمجموعة من الوصايا والتوجيهات للدعاة في مواجهة هذه الهجمة، فقال:

أما أنتم أيها الإخوان: فلا أقول لكم إلا ما قال موسي -عليه السلام- لقومه (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 128).
أنتم أصحاب دعوة وها أنتم تمتحنون في أمنكم وأموالكم وأعراضكم وأنفسكم فإن صبرتم فلكم أجر الصابرين (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّأبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَأبٍ) (الزمر: 10). وإن نكثتم فإنه أمر الله وقضاؤه وهو نافذ رغبتم أم أبيتم (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38).

فلا يرهبنكم سيف المعز وإن لكم فيما مضي للدعوة من محن لخير دليل على صدق توجهكم وقوة إيمانكم وأن عين الله ساهرة عليكم فحين اعتدى عبد الناصر عليكم في سنة 1954 فاجأته مصيبة سنة 1956، وحين قسا عليكم في عام 1965 كانت النكسة سنة 1967 ولما استعمل السادات سيف المعز سنة 1981 كانت له عين الله بالمرصاد، ولقد استودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم فكونوا هناك، عند الأمل في الله والصبر على ابتلائه، كونوا -كما وعدتم- مجاهدين تدفعون زكاة الجهاد راضية بها نفوسكم، فإن دعوة الله صافية ونقية، وستظل كذلك مهما حاول المغرضون، ولقد سلك زعيمكم محمد بن عبد الله طريق الحكمة والموعظة الحسنة والصبر على المكاره واحتمال الأذى وبث روح الجهاد والتضحية في سبيل الله والثبات على الحق مهما تلاحقت الابتلاءات والمحن.

وهكذا كان رسولكم الكريم يعلم أصحابه ليعلموكم، ويهذبهم ليقودوكم إلى طريق الخير والفلاح وكم تعرض للإيذاء والابتلاء فلم يثنيه ذلك عن تبليغ دعوة الله لكل الناس.
لقد كان يقول لأصحابه في حنين: «أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا أبْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ – فخرا واعتزاز».
لقد اجتمع الناس حوله وانتشرت الدعوة ومكن الله لها في الأرض، والتاريخ يعيد نفسه فحملات التشويه والتكذيب على أشدها يظن أصحابها أنهم قادرون بها على محو ظل الإسلام من أرض الإسلام، ولكن (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا) (الكهف: 5)، فللإسلام رب يحميه من بطش الظالمين وكيد الكائدين، وإن (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21).

فلنواصل المسيرة بروح التحدي وصدق الإيمان غير عابئين بما تحمله الأقلام المأجورة والنفوس الموتورة من حقد على الإسلام وجند الإسلام، ولن تزيدنا المحن والابتلاءات إلا قوة وصلابة فما هي إلا تمحيص الصف المسلم (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) (الأنفال: 37).

أيها الإخوان: إن تلك المحن التي مرت بكم وتمر اليوم وستمر غداً إن هي إلا ابتلاء من عند الله، وإن هي إلا فتنة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّأبِرِينَ* وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (آل عمران: 142-143).

وهتافكم دائماً: «الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، فليكن ذلك الشعار أمام أعينكم في كل لحظة من لحظات حياتكم وما أحلاها ميتة في سبيل الله يوم أن أقول كلمة حق فالقى الله عليه، والرسول وصف سيد الشهداء: «ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله» وقد سبقكم إليها إخوانكم جيلا بعد جيل، فاستعذبوا الشهادة في سبيل الله، فاستعدوا لها بصلتكم بربكم وبدعاء السحر وسهام القدر. واعلموا أنا ما يهدد به الحكام لن يصيبكم منه إلا بمقدار ما أراد الله لكم «وَاعْلَمْ: أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ، وَمَا أصَأبَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ» «وَاعْلَمْ: أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَطَوَيَتِ الصُّحفُ». صدق رسول الله .

أيها الإخوان: إن تلك المحن التي مرت بها دعوتكم لم تزدها إلا صلابة وقوة وانتشار، ولئن كانت الدعوة في الخمسينيات تحدها ضفاف النيل فلقد انتشرت اليوم في ربوع الأرض، وامتدت جذورها في أعماق التربة، حتى أضحى صداها يسمع في غرب الكرة الأرضية، كما يسمع في شرقها، لقد استيقظت معها روح الإسلام في ربوع الأرض فردد هتافها الملايين، وهاهي إرهاصات الصحوة الإسلامية تبزغ شمسها في المغرب والمشرق العربي والأقصى بل والأمريكتين، محاولة رد الناس إلى أصالة الإسلام، ونور الإسلام وإبعادها عن طريق الشهوة والشيطان:

فها هو العملاق يخرج من القمقم ينفض غبار النوم عن أعين المسلمين، حتى يستطيعوا التصدي لتلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون، والتي تحاول استئصال الإسلام من أرض الإسلام، ولكن (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) (النساء: 141).

إخوة الإسلام: إنكم في جهادكم لا تخضعون إلا لأمر الله، وإنكم لتعملون بالإسلام للإسلام، وليس لكائن من كان أن يمنعكم من نشر دعوة الله بين المسلمين. واعلموا أن الاستمساك بحبل الله، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، والإلحاح عليه في الدعاء كلها دعائم يستجيب الله بها لدعائكم فلا تنسوا الدعاء، وأيقنوا بالإجابة. (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). (محمد: 35).

—————-
(*) نشر هذا المقال بجريدة الشعب القاهرية الصادرة في 16-60-1992م.

اترك تعليقا