أيْن نحنُ من القُدْوة الحَسنة؟

أيْن نحنُ من القُدْوة الحَسنة؟

إن الله تعالى المنفرد بالخلق والاجتباء قد اختار محمداً نبيًا ورسولًا، وجعله حجّة الله على العالمين، والأسوة الحسنة للناس أجمعين، فأقام به المِلّة العوْجاء، وفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا.

وجعل حياته نموذجًا كاملًا للأخلاق والإيمان، وترجمانًا حيًا للقرآن؛ وشكّلت سيرته في كل ما دعا إليه المثل الأعلى الذي لا يُجارَى ولا يُبارَى.

يقول الجُلَندي ملك عُمان لما بلغته رسالة النبي : «والله لقد دلَّني على هذا النبي الأمّي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلاّ كان أول تارك له، وأنه يَغْلب فلا يَبْطر، ويُغلب فلا يَضْجر، ويفي بالعهد وينجز الموعود، وأشهد أنه نبيّ».

والذين عاش النبي بين أظهرهم واقتدوا به هم أصحابه، والذين جاؤوا من بعده واتبعوا النور الذي أنزل معه، وفاتهم لقاؤه وإمتاع الأسماع به، هم أحبابه الذين قال فيهم: «يا ليتني ألقى أحبابي!».

وكان الصحابة القدوة الصالحة في تأسّيهم برسول الله ، وقد دعا ابن مسعود الى الاقتداء بهم فقال: «من كان متأسّيًا فليتأسّ بأصحاب رسول الله ، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلّها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا. اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».

بعد أن فُجعت الأمة بفقد قرّة العيون، نعمت بظهور خير القرون، ثم تقلبت الأيام وساءت الأزمان، ومالت الكواكب الزاهرة والنجوم الساطعة نحو الأفول، وأوشك تشييخ الصحيفة أن يصبح خيرًا من التأسي بمن جُعل في الأرض خليفة! ويبحث الناس في زماننا الحاضر بلهفة وشوق عن أناس تتجلى فيهم القدوة الصالحة، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، يعمّرون المساجد ويتزينون بالمحامد، يتجسّد الإسلام في أخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم، كأنهم مصاحف تدبّ على الأرض، ولكن بحثهم يخيب وسعيهم قلّما يصيب، فالدنيا أدوار والناس أطوار، وقرْننا يتردّد حاله بين الجافي عن الأوائل والسائر نحو الأراذل!

إن على من نصَّب نفسه للناس إمامًا أن يكون تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه، وإن معلم نفسه ومؤدّبها أحق بالإجلال والتفضيل من معلم الناس ومؤدّبهم. (الأدب الصغير)، وقد قيل: «إن حال رجل في ألف رجل أبلغ من أقوال ألف رجل في رجل!»

كيف يكون حالنا إذا فُقدت القدوة الحسنة أو ضلّت طريقها الى الناس؟ كيف أنتم إذا تولى إمامتكم أولو فساد يقتنون العلوم ثم لا يقنتون، والناس بهم يُفتنون؟ كيف أنتم إذا رأى أولياؤكم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟ وإذا أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف؟
جاء في الحديث: «إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طُمست النجوم أوشك أن تضلّ الهُداة». رواه أحمد.

ومن الخطوب الداهيات التي ألمّت بنا أننا قد نركن الى الذين يتبوّؤون مواقع القدوة فإذا هم لا يبرؤون من العلل الشّائنة: فقد يكون العالم متهتّكًا، والقائد مرائيًا، والطبيب عليلًا، والبليغ منافقًا، والناصح فظًّا، والمتنسّك جهولًا، والمحتسب فاجرًا، والمصلح فتّانًا، والنشيط عَجولًا، والزاهد قتورًا، والمتفوّق كنودًا، واللبيب أفّاكًا، والجواد منّانًا، والحكيم جبانًا، والمبلّغ مِهْزارًا، والداعية مستكبرًا!

وقد يصدق المُقتدى به في ساعة الرضا لا في ساعة الغضب، ويوم السّلامة لا يوم الكَريهة، وعند إقبال الدنيا لا عند إدبارها، وفي حال عُلوّ المقام لا في حال سُفوله!
ألا إن الأمانة والقدوة كفرسَيْ رِهان، يتلازمان تلازم الحق والبرهان، ولن تجد على دعوة الله أمينًا إلا من كان بالقدوة الحسنة قمينًا.

0 Comments to “أيْن نحنُ من القُدْوة الحَسنة؟”

  • zadussaerin

    «إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طُمست النجوم أوشك أن تضلّ الهُداة». رواه أحمد.

اترك تعليقا