إنما السابق من غُفِر له

إنما السابق من غُفِر لهبقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

يتسابق الناس ويتنافسون في جمع الأموال، ونيل الألقاب، وبلوغ المناصب، وتحقيق المكاسب. فمن السابق بحق؟
يُجيب علينا سيدنا عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – بعد أن سَبَقه الناس بِرِحالهم يوم عرفة فقال: «إنما السابق من غُفِر له».
نعم؛ إن السبق ليس في الأشكال والهيئات ولكن في العواقب والمآلات، سبق في الباقية لا الفانية (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).

وقد أورد الإمام بن كثير – رحمه الله – في تفسيره: أن المراد بالسابقين، هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، وقال: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الحديد: 22]، فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان ; ولهذا قال تعالى: (أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

وقال الإمام الأوزاعي، عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية: (‏وَالسَّأبِقُونَ السَّأبِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ثم قال: أولهم رواحا إلى المسجد، وأولهم خروجا في سبيل الله.

وذكر السعدي – رحمه الله – في تفسيره: لقول الله تعالي: ‏(‏وَالسَّأبِقُونَ السَّأبِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏)‏ أي‏: ‏ السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات‏. ‏
أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها‏. ‏
ورجح الإمام بن القيم – رحمه الله – في كتابه (حادي الأرواح)، أن (السَّأبِقُونَ السَّأبِقُونَ) هم: السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان وهذا اظهر والله أعلم.

مع أهل السبق والصدق
وحينما يجتمع السبق في البذل وفعل الخير مع السبق التاريخي في السير على طريق الخير والبر، يكون السبق عظيم والفضل كريم والأجر عميم.

ولقد نال السابقون الأولون من الدعاة شرف السبق، حين ساروا على طريق الدعوة ومهَّدوه لمن بعدهم من الأجيال، بل وصبروا وثبتوا أمام محن الطريق الكثيرة والمتنوعة، فكان صبرهم وثباتهم ضريبة قدموها لمن بعدهم؛ حتى يستمر السير وتظل قافلة الدعوة تتحرك نحو غايتها ترفع لواء قائدها محمد بن عبد الله (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَأنَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108).

إن من سبقونا بصدق وثبات على طريق الدعوة تاج فوق رؤوسنا، وهديهم الصادق منهل عذب لنا، نتزود منه في سيرنا. اللهم ارحم من قضى نحبه، واحفظ من ينتظر، اللهم بارك في أعمارهم وأعمالهم، وانفعنا بعلمهم وعملهم، يارب العالمين. هكذا يربينا القرآن كيف نتعامل مع السابقين الصادقين من أهل الإيمان ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَأنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَأنِ﴾. 10 الحشر. فلهم منا خالص الدعاء، وجميل الوفاء، وصدق الاقتداء.

والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا