الأخوة فى الله أسمى العلاقات

الأخوة في الله أسمى العلاقات(مع زاد السائرين)

إن أى عمل يطلب من مجموعة من الأفراد عمله فإنها تحتاج إلى هيكل تنظيمى يصغر أو يكبر حسب المهمات التي تقوم بها المجموعة والأهداف المطلوب تحقيقها، وبعد ذلك يأتى تحديد الأدوار وتوزيعها على الأفراد وأيضًا تحديد المسئوليات والمسئولين وواجباتهم تجاه الأفراد، والعمل على إنجاح العمل وبلوغ الهدف.

وقد ثبت بالدراسات لواقع العمل الميدانى أن المؤسسات والشركات الصناعية أو التجارية التي يوجد بين العاملين بها ارتباطات وعلاقات اجتماعية وإنسانية جيدة هي التي تعطى العائد والإنتاج الأوفر الأفضل، أما الشركات التي لا تتوفر فيها هذه العلاقات – رغم كفاءة الإدارة والجهد الذي تبذله – فإنتاجها أقل وجودته أقل.

هذه حقيقة يجب أن نضعها في اعتبارنا ونحن نعمل ونتحرك، فكما أننا نبحث عن تنمية كفاءة الفرد ورفع مستواه في الأداء وجودة الإنتاج، يجب أن نسعى جاهدين على إيجاد أحسن العلاقات بين كل العاملين، وليست هناك علاقة أفضل ولا أقوى رابطة بين الأفراد إلا تلك العلاقة التي اختارها الله لتربط بين عباده المؤمنين، حيث يقول تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) [سورة الحجرات].

نعم بأسلوب الحصر والقصر يحدد العلاقة بين المؤمنين بعضهم وبعض، إنها علاقة الأخوة أسمى العلاقات التي يمكن أن تكون بين المؤمنين، ثم تأمرهم بالإصلاح (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، لتظل الأخوة صافية طاهرة نقية، لتكونوا مؤهلين لتنزل رحمات الله عليكم.

إنها أخوة في الله ولله، ويالها من روعة وجمال، ويالها من سمو في الصلة التي تجمع بين الأفراد، وكيف لا والله العزيز الحكيم صانعها بقدرته وقوته وعظمته في التدبير والتكوين، واقرأ معى هذه الآية الكريمة التى يخاطب بها الله تعالى نبيه المصطفى ﷺ: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)) [سورة الأنفال].

الوسائل التربوية تقود إلى الأخوة
إن كل وسائل التربية التي بين أيدينا إن دققنا فيها وأمعنا النظر لوجدناها تقودنا – إن أحسنا العمل بها – إلى تلك الأخوة الربانية. فالأسرة، إنفاذ أركانها يؤدى إلى ذلك.

فركن التعارف جاء فيه: «تعارفوا وتحابوا بروح الله واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم واجتهدوا الا يعكر صفو علاقتكم شيء …! وأستطيع أن أقول: أحب أخاك في الرضا والغضب، وتمثل معنى حديث رسول الله ﷺ: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما»

وفي ركن التفاهم يأمرهم ويوجههم إلى أعماق هذا الحب فيقول: «واستقيموا – متعاونين – على منهج الحق، وافعلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه وحاسبوا أنفسكم حسابًا دقيقًا على الطاعة والمعصية، ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه متى رأى يه عيبًا، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح وليشكر له ذلك». ولم لا وأمر رسول الله ﷺ لكل منا: «أن يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه» من كل خير وصلاح نفسه وأمره خير ما يحبه لنفسه. والتفاهم في حقيقته امتداد لمرحلة التعارف.

ويقصد بالتفاهم أمور نشير إليها فيما يلى:
– انعدام أسباب الجفوة والتنافر.
– المحبة والمودة والالفة التي يوجبها التعارف إذا تم على وجهه.
– نبذ الفرقة والاختلاف.

وبعد ذلك يتجه التفاهم اتجاهًا إيجابيًا آخر نشير إليه في النقاط التالية:
* العمل على إيجاد قد ر مشترك من تقارب وجهات النظر في المسائل والقضايا التي تهم المسلمين.
* العمل على تكوين فكر مشترك نابع من الإسلام ومن إيثار الحق حول الحكم على الناس والأشياء.
* التقاء وجهات النظر في أمرين حاسمين في مجال العمل الإسلامى هما:
1- الاتفاق على أولويات بعينها في العمل لا يتقدمها سواها.
2- الاتفاق على مرحليات، نعنى تقسيم العمل إلى مراحل قد تتوازى وقد تتوالى تبعًا للظروف والملابسات التي تحيط بالعمل والعاملين.
* الوصول إلى قمة التفاهم بين الإخوة، وتلك القمة تعنى (الحديث بلغة واحدة) بحيث الطابع الذي يميز الجماعة أنهم يفكرون بطريقة واحدة ويتحدثون بلغة واحدة.

وفي ركن التكافل جاء فيه: «فتكافلوا وليحمل بعضكم عبء بعض، وذلك صريح الإيمان ولب الأخوة فليتعهد بعضكم بعضًا بالسؤال والبر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلا، وتصوروا قول رسول الله ﷺ: «لأن يمشى أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدى هذا شهرا» وقوله ﷺ: «ومن أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير له جزاءًا إلا الجنة» والله يؤلف بين قلوبكم بروحه إنه نعم المولى ونعم النصير.

وما ورد في هذا الركن يدل دلالة واضحة على أن التكافل يكون بكا أبعاده وأنواعه: المادى والمعنوى والنفسى والإيمانى. وللتكافل مراحل ودرجات نشير إليها فيما يلى:
– بدايته التحاب والالفة والمودة والتراحم.
– ثم التعاون في كل ما من شأنه أن يحتاج لتضافر الجهود.
– ثم التناصر.
– ثم التكافل.

وفي الكتيبة من أوائل المطلوب فيها تعميق أواصر الأخوة بمزيد من التعارف والمعايشة.
أما في الرحلة والمعسكر ففرصة جيدة للتطبيق العملى لكل ما سبق ذكره.
إذا حرصنا على تنفيذ ذلك فإننا بفضل الله ومشيئته نصل إلى أقوى رابطة تربط بين أفراد الجماعة وتكون عاملًا – بمشيئة الله – لأن تكون أهلًا لتحمل مسئوليات العمل على تحقيق الأهداف المنوطة بها.

القرآن يحدد الأولويات
ولنتمعن فيما جاء في هذه الآية الكريمة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) [سورة التوبة].
وإذا كان عمل الجماعة ينحصر فيها (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر). فقد قدمت الآية شرطًا لا بدَّ من تحققه بين المؤمنين والمؤمنات المكلفين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ذلك هو تحقق الولاء بينهم.

يقول الأستاذ سيد قطب في شرح هذه الآية: «(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة، وطبيعة الوحدة، وطبيعة التكافل، وطبيعة التضامن ولكن التضامن في تحقيق الخير ودفع الشر (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) وتحقيق الخير ودفع الشر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون.

ومن هنا تقف الأمة المؤمنة صفًا واحدًا لا تدخل بينها عوامل الفرقة، وحيثما وجدت الفرقة في الجماعة المؤمنة فثمة – ولا بد – عنصر غريب عن طبيعتها وعن عقيدتها هو الذي يدخل بالفرقة. ثمة غرض ومرض يمنع السمة الأولى ويدفعها، السمة التي يقرر العليم الخبير (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) يتجهون بهذه الولاية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإعلاء كلمة وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض».

ولكن إذا كان الواقع يؤكد ضعف العلاقة بين المؤمنين والمؤمنات وضعف الولاء والالتزام أو غيابه فإن ذلك مدعاة لأن تزحف الفرقة متسللة إلى الجماعة، تضعف من قوتها وتوهن من عزمها، ولا تدركها وتظللها رحمة الله لنقص الشروط التي تتم بها هذه الرحمة من الله، والأمر لا يحتاج إلى كثير عناء، وإنه ليسير لمن يسره الله عليه. وكل ما يحتاجه هو تصحيح مسار وتعديل توجه.
إن فقه الأولويات يلزمنا أن نولى جل اهتمامنا لتحقيق هذا الولاء واستيفائه لشروطه مظهرًا ومخبرًا، كمًا وكيفًا.
ولا بد أننا لاحظنا أن الآية الكريمة جاءت – ومن بدايتها – تحدد الأولوية: الإيمان بالله، ثم الولاء، لتتم بعدها باقى الواجبات والصفات (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ).

أما أن نهتم بالشكل ونوليه معظم اهتمامنا، وأعنى بذلك الهيكل وما يتبعه من تنظيم، ونقصر أو نتوانى في تحقيق الولاء، فتصبح المؤسسة هيكلية خالية من المضمون الذي بدونه لا تصلح لعمل مثمر بناء وتحقيق هدف كبير لا يمكن تحقيقه – بعد مشيئة الله – إلا بجماعة لها مواصفات خاصة حددتها الآية الكريمة، لها هيكلها اللازم وتنظيمها الدقيق، والهيكل فيها تابع وخادم وليس أصلًا وجوهرا.
والله يهدينا إلى سواء السبيل

0 Comments to “الأخوة فى الله أسمى العلاقات”

اترك تعليقا