في ظل الأحداث التي تمر بها مصر بعد الانقلاب العسكري الغاشم على الشرعية، وحالة التضييق والحصار التي تُفرض على الدعوة، وحالة الحرب التي يتعرض لها الدعاة، وكم الدماء التي سالت، والأنفس التي ارتقت، والجراح التي نزفت، والمعتقلات التي بالأحرار امتلأت، وجب علينا أن نلتفت لبعض الواجبات في ضوء هذه الأحداث والتطورات، خاصة وقد انكشفت بعض الجوانب الحقيقية لهذا الصراع، وقد أظهرت أنه يدور حول هوية الأمة ودينها ورجال دعوتها. من هنا كانت هذه الواجبات التي تتطلبها المرحلة.
من واجبات المرحلة: 1) التحلي بالربانية، وحسن الصلة بالله سبحانه، وتعلق القلوب به، واللجوء إليه، والانكسار بين يديه، والتذلل إليه، والاحتماء بقوته، والحياة في كنفه ومعيته، والاستعانة به، وطلب الهداية والتوفيق منه، فهو نعم المولى ونعم النصير. (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَأنَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) 12 إبراهيم.
2) الثقة بوعد الله الحق في حفظ دعوته وتأييد عباده، واليقين بأن الله عليم بالظالمين، وأنه سبحانه بما يعملون مُحيط. ثم الثقة في المنهج الرباني الذي نقوم عليه ونتحرك به (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَأبِدونَ) 138 البقرة. ومع الثقة بوعد الله واليقين بقدرته والثقة في منهجه؛ نحتاج إلى البصيرة بمعالم طريق الدعوة، والثقة به، وأنه رغم مشاقه وعقباته فهو طريق الحق الذي سلكه الأولون من الدعاة والمصلحين (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) 108 يوسف، وهكذا تكون الثقة من العواصم في المحن. .
3) الصبر والثبات أمام الفتن والشبهات، والمحن والابتلاءات، والشدائد والمُلِمَّاتٌ، لأن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، وأن الثبات على المبادئ مهما كثرت الخطوب، وضاقت الدروب، هو نصر المرحلة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَأبِرُواْ وَرَأبِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران 200
4) الالتفاف حول القيادة، والثقة الوطيدة بها، والاطمئنان القلبي نحوها، ثقة في كفاءتها وإخلاصها، واطمئنانا عميقا يُنتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة في غير معصية، في جو من الأخوة الصادقة، والنصيحة الخالصة، والمساندة المعنوية، والمؤازرة العملية. لأن محاولات تفريق الصفوف من باب الثقة تكثر في فترات الابتلاء والمحن، لذلك كان لا بدَّ من الحفاظ عليها لتكون سياجًا منيعًا يصد همزات الشياطين، ويهوي عنده تربص المتربصين، (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَأنِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا). رواه البخاري ومسلم.
5) عدم اليأس، لأنه ليس من أخلاق المؤمنين، (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). يوسف 87. مع تجاوز الصعاب باليقين والأمل، والصبر على الآلام بالصمود والعمل، ولا بدّ للنصر والتمكين من ضريبة وثمن. ولنعلم أن أسلافنا الأكارم الذين سبقونا بالايمان على هذا الطريق قد تعرضوا لما هو أشد من ذلك، فلم يتطرق اليأس إلى نفوسهم، فصبروا وثبتوا وبذلوا، فنصرهم الله وأيدهم، فبقيت فكرتهم، وانتشرت دعوتهم، وعمّ الدنيا خير جماعتهم.
6) الحرص على الأخُوة ورابطة القلوب، لأن في الأخوة سر القوة، ورابطة القلوب أساس وحدة الصفوف، ويد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وفي زمن المحن وأُتون الفتن تظهر معادن الرجال، وفي حديث النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الشيخان. ولقد ضرب أسلافنا الأكارم على طريق الدعوة أفضل المثل في التآخي والتحاب والترابط، الأمر الذي عمق وحدتهم، وقوى جماعتهم، وأراح قلوبهم، وأغاظ عدوهم، وخفف عنهم الم محنتهم، ولوعة فراق أحبتهم.
7) اليقين الجازم بأن الحق أبلج والباطل لجلج، وأن الحق ظاهر وقوته فيه، والباطل زاهق وضعفه فيه، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فلا وهن أو ضعف أو استكانة (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَأبَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَأنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّأبِرِينَ) 146 آل عمران.
ورغم ما أصابنا من قرح ومسّنا من ضُر، فلا مجال للوهن والحزن، فهو كما أخبر ربنا في قرآنه (أذى)، تزول مع الرضا آثاره، وتقل مع الأجر أضراره، وكيف نهن أو نحزن ونحن أهل العُلا والإيمان، ًويكفينا أن العاقبة للمتقين، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّأمُ نُدَأوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) 139: 141 آل عمران.
8) الحرص على السلمية، والثبات على ذلك، وعدم الالتفات لدعوات العنف، فهذا مايتمناه الانقلابيون، أن ينقلوا الأحرار رجال الحرية والشرعية إلى مربع العنف وإراقة الدماء، ليجدوا هم مبررا لمزيد من الإجرام والقتل، وغطاء لمزيد من القمع وإراقة الدماء والفساد في الأرض. ولنجعل قول الله عز وجل نصب أعيننا (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) 28 المائدة.
ولنتذكر وصية فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع: (سلميتنا أقوى من الرصاص)، فمنهجنا في الإصلاح والتغيير واضح المعالم لا نحيد عنه مهما كانت الخطوب، وأظلمت الدروب، وعظمت التضحيات، وطالت الأوقات. ولنعلم أن هذه السلمية تقتلهم وتفضح تآمرهم وكذبهم، وإن شاء الله ستكون سببا في زوالهم، طالما هناك إصرار واستمرار، ولن يضيع حق وراءه مطالب، والله من فوقهم قوي غالب.
9) ضرورة الالتحام مع أحرار الوطن وشرفاء الأمة الذين يرفضون الانقلاب على الشرعية، ويرغبون لمصر وأهلها الحرية والكرامة والعدالة، ويرفضون الظلم والعودة لحياة الذل والهوان. كما يجب التواصل مع العامة في القرى والمدن، سواء من خدعهم كذب وتضليل الإعلام، أو غير المتفاعلين مع الحدث، لنوضح لهم حقيقة ما جري ويجري على أرض مصر، ولنحتشد مع كل حر شريف حتى يسقط الانقلاب وتعود الشرعية، وحتى يعلم قومنا مكانتهم في قلوبنا، كما قال الإمام البنا: «أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء» رسالة دعوتنا
10) أن تتعلق القلوب بالله وحده – بعد الأخذ بكل الأسباب المادية – فهو المستعان وعليه التكلان، وعدم الالتفات لكثرة الاتباع والأنصار، أو القدرة على الحشد والتجميع، أو ربط تحقق النصر بدعم من هنا أو وعد من هناك، فالنصر من عند الله وحده (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) 126آل عمران. وإن تأخر النصر وطال انتظاره، فلا تنصرف القلوب إلى غير الله، أو تتعلق في طلب النصر من سواه، فبعد التسليم واليقين (وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَأنًا وَتَسْلِيمًا)، يأتى الفرج والتمكين (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَأنَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) 27 الأحزاب.
وفي الختام: نسال الله الكبير أن يكشف الغمة عن الأمة، وأن يمكن لدينه في مصر وسائر بلاد المسلمين، وأن يفتح لأوليائه البلاد وقلوب العباد، وأن ينزل عاجل نقمته بالقتلة والمجرمين الذين انتهكوا الحرمات، وصادروا الحريات، وقتلوا الأبرياء، وحبسوا الشرفاء والعلماء. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين