سبحانك اللهم يا رب آمنت بقضائك وسلمت بقدرك، ولكن لنا نفوس ضعيفة لا تحتمل هذا القضاء، ولا تجلد لهذا القدر، اللهم فقوها. ونضر الله يا أبت وجهَك، فلقد حملت اللواء كما حمله أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والحسن والحسين، رضي الله عنهم، هذبت الشباب وشذبت الشيوخ، والفت من هؤلاء وأولئك تلك الجماعة المباركة التي يفخر بها المسلمون اليوم، وسيفخر بها محمد ﷺ يوم القيامة.
ونحن يا أبتِ على ما عملت به ودعوت إليه سائرون، وحاشا لله أن ننحرف عن دعوة رسول الله، وأنت أنت والدنا الذي ذكر بها حين نسيها الناس، وحفظها حين شوهها الناس، وافتداها بدمه حين تخلى عنها الناس، بل ورأوه عارًا أن ينسبوا إليها أو تنسب إليهم.
حاشا لله أن ننحرف عن دعوة رسول الله ولو قد فعلنا لأذاقنا الله العذاب ضعفين بل أضعافًا مضاعفة، ولكننا سنرتل في كل وقت وفي كل حين قول الله تبارك وتعالى ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ (النمل: 19). اللهم إننا فقدنا عطف الوالد وبره ونصحه. فتول اللهم أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: 44) ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا﴾ (البقرة: 286) فنعم المولى ونعم النصير.
الفقير إلى الله تعالى: أحمد سيف الإسلام حسن البنا
—————- المصدر: مجلة الدعوة، العدد (52)، 16 جمادى الأول 1371هـ – الموافق 11 فبراير 1952م. – المرجع: كتاب (بين يدى الإمام) – عبدالحليم الكناني.
في العام الماضي وفي مثل هذه المناسبة كانت كلمتي تحت عنوان (تسليم) عبَّرت فيها عن إيماني بقضاء الله، وتسليمي بقدره، وتفويض الأمر إليه عز وجل ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ (غافر: 44)، وانتظرت ما يجري به القضاء، ومضت شهورٌ شاء الله فيها أن تنجاب ظلمة، وأن تنقشع سحابة أظلت مصر، فأظلها الفساد والإفساد، فقد أُقصي عن العرش ملكٌ فاسق؛ أرهق الأمة وأفسد الحكومة وقتل الأبرياء.
وعلم الله ما دهشت لذلك وما عجبت؛ فقد طغى وصبرنا، وأساء وأحسنَّا، فكان لا بدَّ أن يزول ونبقى كما وعدنا ربنا ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ ﴾ (لقمان: 22)، فهو أمرٌ ولعلَّ في التعجيل به تلطيفًا لقلوب مكلومة. لقد فعل هذا الملك ما فعل، ولكنه قبل كل شيء وبعد كل شيء قُتل (حسن البنا)، ولكن هل قتل (حسن البنا) حقًا؟
نعم. فقد أصابته في يوم مشئوم رصاصاتٌ. فاضت بعدها روحه إلى السماء. لا. فهو ما زال حيًا لم تنقطع الصلة بيننا وبينه، توجِّهنا صيحاته، وتسيِّرنا كلماته، وترفرف علينا روحه الطاهرة. ونحن مازلنا عند عهده بنا وأمله فينا، لدعوته عاملين وفي سبيلها مجاهدين. سيظل هذا الدم يوجهنا للعمل، وسنظل نحن على العهد والبيعة نجددها كل عام في موعد الذكرى.
الفقير إلى الله تعالى: أحمد سيف الإسلام حسن البنا
—————– المصدر: مجلة الدعوة، السنة الثالثة، العدد (4) بتاريخ 25 جمادى الأول 1372هـ – الموافق 10 فبراير 1953م. – المرجع: كتاب (بين يدي الإمام) عبدالحليم الكناني.