الإمام حسن البنا واستثمار الطاقات

الإمام حسن البنا واستثمار الطاقات – الدكتور سيد دسوقي حسن – الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة

يذكر الأستاذ الدكتور سيد دسوقي حسن، فى مقال رائع له بعنوان: (أمثلة من التربية الحضارية عند الإمام البنا)، قصة واقعية تدل على أن الإمام البنا، كان مربياً فريداً وقائداً واعياً، حيث كان يمتلك القدرة على توظيف طاقات من حوله لخدمة الدعوة والدفاع عن قضايا الأمة. وإليكم نموذجاً يدل على ذلك، أورده الدكتور سيد دسوقى فى مقاله تحت عنوان لجنود والمواقع):

في عام 1966م وكنتُ ما زلتُ في أمريكا جاءتنا الأنباء المفزعة بإعدام أستاذنا العظيم سيد قطب، وكنتُ أنا خطيب الجمعة في تجمعٍ لطلابٍ جامعة ستانفرد بكاليفورنيا، كنتُ في ثورةٍ أحرجت بعض المصريين الذين كانوا سيعودون في نفس العام لمصر، فكانت هناك مشادة بيني وبين هؤلاء الإخوة بعد الصلاة. كان من بين المصلين الأخ الكريم الدكتور محرم وهبي محرم (1) الذي كان وكيلًا لوزارة التخطيط، وجاء إلى جامعة ستانفرد في برنامجٍ تقدمه ستانفرد في الإدارة العليا لمدة عام، وفي المساء اتصل بي الأخ الدكتور محرم وهبي وسألني أن ألتقي معه في شقته، حيث كان يسكن مع الأخ الدكتور عبد الله عمر نصيف الذي كان يُدرِّس لدرجةِ الماجستير في الجامعة.

المهم التقينا وتحدَّث الأخ الدكتور محرم وهبي وعيناه مغرورقتان بالدموع: إيه يا عم سيد لقد أبكيتني وغالبت البكاء حتى لا ينفضح أمري، ثم حكى: في النصف الثانى من الأربعينيات كنتُ أستعد للتخرج من الجامعة. وكنت عصبيًّا جدًّا، وكل يوم يذهب زملائي في الجامعة من الإخوان ويشتكون للأستاذ البنا: محرم تشاجر اليوم مع الشيوعيين. محرم تشاجر اليوم مع الوفديين. كل يوم أورط إخواني في خناقةٍ مع آخرين.

وفي إحدى هذه المرات انفرد بي الأستاذ البنا، وقال لي: يا محرم اختفي من الحركة. قلت: تفصلني يا أستاذ؟ قال: لا، ولكن أريد أن أضعك في عملٍ آخر. ثم قال لي: أنت ستتخرج هذا العام؛ ففي أي مجال تنوي العمل؟ قلتُ: في ميدان التدريس. فقال لي: أريدك أن تختفي في وزارةِ المعارف، حتى تصل إلى أعلى المناصب وتخدم دينك وأمتك في صمتٍ. وتعاهدنا على ذلك، وبدأت رحلتي في وزارةِ المعارف، ثم وزارة التربية والتعليم حتى وجدتني مديرًا لمكتب الوزير كمال الدين حسين في الستينيات.

ثم فوجئتُ برجلٍ آخر كنتُ أعرف صلته القديمة بالأستاذ البنا، وهو أيضًا يعمل مستشارًا للوزير. إنه الأستاذ الأديب فريد أبو حديد، وتصارحنا؛ فإذا قصته مثل قصتى، ولم ينكشف أمرنا إلا عندما كتب الدكتور نظمي لوقا كتابه الشهير (محمد الرسالة والرسول)، والذي يقول في آخر صفحةٍ فيه: «لا خيرةَ في الأمرِ ما نطق هذا الرسول عن الهوى، لا خيرةَ في الأمر ما ضلَّ هذا الرسول وما غوى، لا خيرةَ في الأمر ما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين، فسلام عليه بما هدى، وسلام عليه في الخالدين».

المهم أننا قررنا هذا الكتاب على طلبةِ الإعدادية في مادةِ النصوص، وبدأت اعتراضات محلية وغير محلية، وانكشف أمر الجنديين الذين أرسلهما حسن البنا ليحفظا لمصر نصوصها الدراسية في وقتٍ تطاولت فيه الأيدي العلمانية.

المهم أنه في عزِّ سطوةِ الشيوعيين والعلمانيين كانت المواد الدراسية في حفظٍ أمين بفضلِ هذين الجنديين العظيمين (رحمهما الله).

والدرس المستفاد أنه ينبغي أن لا يركب كل الجنود مركبةً واحدةً، أو دابةً واحدةً بقرنين كبيرين يسهل مسكها منهما. إنما نكثر سواد الدواب، ونوزع الجنود في المواقع، ونسترهم بكل سترٍ متاحٍ، والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا