الانتخابات ومقاصد يجب ألا تغيب

الانتخابات ومقاصد يجب ألا تغيب بقلم: د. محمد حامد عليوة

الحمد لله تعالى القائل في كتابه العزيز: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام)، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبد الله ، سيد الداعين إلى الله على بصيرة، والمجاهدين فيه بإحسان.. وبعد.

إن دعوتنا دعوة إسلامية صميمة في منطلقها ومقصدها، حددت مهمتها من أول يوم وهي: «سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس»(1).

وقد تعدَّدت أهدافها المؤدية إلى هذه الرسالة العظيمة الشاملة، وتنوَّعت أساليبها ووسائلها المحققة لأهدافها النبيلة، ومن بين هذه المناشط والأعمال، المشاركة في العملية الانتخابية، كمنبر ومجال للتغيير والإصلاح المنشود، كما وضح الإمام الشهيد حسن البنا في رسالته حول الانتخابات فقال: «لقد أقدمنا على هذا الميدان مخلصين كل الإخلاص، برآء كل البراءة، مدفوعين إليه بحب الخير، والحرص على المصلحة، والغيرة على الدعوة المقدسة، والرغبة في اختصار الوقت، وإعلان رسالة الإصلاح الإسلامي من فوق هذا المنبر الرسمي».

ويذكر أيضًا: «أما أن يقصد من وراء ذلك تحقيق مناهج الإصلاح، وإظهار دعوة الخير، وإعلاء كلمة الإسلام والحق؛ فلا عيب فيه ولا غبار عليه، بل لعله يكون من أقدس الواجبات وأعظم القربات»(2).

المقعد أحد أهم مقاصد المشاركة الانتخابية :
لا شك أن الفوز بالمقعد البرلماني أحد أهم مقاصد المشاركة الانتخابية، وهو مقصد يجب أن نسعى إليه ونحققه بإذن الله، فمن خلاله يستطيع المصلحون المشاركة في الحياة النيابية، وما يرتبط بها من وظائف رقابية وتشريعية مهمة في عملية الإصلاح، فضلاً عن أدوارهم في خدمة دوائرهم التي أنابتهم عنها في البرلمان، والمقعد حين يقصده المصلحون ليس مغنمًا أو تشريفًا، ولكنه أمانة وتكليف وبداية جهود مضنية لتحقيق رسالة الإصلاح التي يحملونها للأمة، ومع تعاظم دور المقعد البرلماني وتعدد أهميته يجب أن نضع نصب أعيننا أهدافًا أخرى، ونحن نشارك في العملية الانتخابية، منها:

1- أن نتعبد إلى الله بجهودنا ونتقرب إليه بسعينا:
فلا يجب أن يغيب عنَّا أيها الكرام الأحبة أننا أصحاب مقاصد كبيرة لا منافع محدودة، نسعى ونشارك لنحق الحق ونرضي الرب، نتقرَّب إلى الله بأقوالنا وأعمالنا وحركاتنا وسكناتنا، والانتخابات موسم للحركة الواسعة والعمل المتواصل، فلنحرص ونحن في جولاتنا الانتخابية ومؤتمراتنا ومسيراتنا وتفاعلنا مع الناس أن نصل قلوبنا ومشاعرنا برب الناس سبحانه وتعالى، راجين منه سبحانه قبول الجهد ومضاعفة الأجر.. ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: من الآية ١١٤)، 

ولنعلم أنه إذا كانت المشاركة في العملية الانتخابية خطوة على طريق الإصلاح والتمكين، فإن عبادة الله والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقاصد هذا التمكين ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾ (الحج)، فاستحضروا دائمًا نية المرابطة والمجاهدة وجددوها دائمًا، وحافظوا على أورادكم وأذكاركم وتلاوة كتاب ربكم، فهي خير زاد لكم في حركتكم بين الناس، واعلموا أيها الأحبة أننا لن نحسن قيادة الناس ما لم نحسن الانقياد لرب الناس، ورحم الله الإمام حسن البنا حين قال: «أيها الإخوان.. كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوَّادًا، ستصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة».

2- أن نُحرِّك معنا بيوتنا في نشر فكرتنا ونصرة دعوتنا:
إنها فرصة عظيمة، أن تعيش معنا بيوتنا معاني التضحية والحركة الدؤبة لنشر فكرتنا ومناصرة قضيتنا ومشاركتنا في جهود الإصلاح، وهذا مقصد عظيم يجب ألا يغيب عنا، ونحن في معمعة العملية الانتخابية، فمعايشة الزوجات والأولاد لفعاليات العملية الانتخابية، ودعمهم لمرشح الدعوة، وسعيهم لتعريف الناس بالدعوة ومبادئها يقوي ارتباطهم بالدعوة، ويعمق عندهم الانتماء للفكرة، وحين يشارك أولادنا وأطفالنا في المسيرات والفعاليات، ويرفعون راية الإصلاح ويهتفون للإسلام والدعوة (الإسلام هو الحل شرع الله عزَّ وجلَّ)، ويهتفون بالعاميَّة (إحنا مين إحنا مين؟؟ .. إحنا الإخوان المسلمين) ففي ذلك تربية لهم على نصرة الحق والمشاركة والتفاعل والإيجابية، فضلاً عن زيادة منسوب الولاء للفكرة والانتماء للدعوة.

فحركوا بيوتكم في كل ميدان يحيط بكم، واجعلوها مقرًّا ومركزًا لتأييد مرشح دعوتكم، ومنطلقًا للعمل في محيط جيرانكم وأهليكم، وقبلة لمن أراد أن يتعرف على أفكاركم ومبادئكم، عندها نكون قد حققنا مقصدًا مهمًّا من مقاصد المشاركة في العملية الانتخابية.

3- أن نوظِّف طاقاتنا ونطوِّر من قدراتنا وإمكاناتنا:
والمحك الانتخابي مجال خصب ومتنوع لصقل المواهب والقدرات (سياسية – إعلامية – اجتماعية – دعوية – إدارية..)، وهو ميدان تتزاحم فيه الأعمال وتتنوع المجالات، وتتعدد الممارسات التي تحتاج إلى جهود كل أفراد الصف، وفرصة لتفعيل من أصابهم قدر من الكسل والانشغال بالحياة والمعاش أن ينهضوا لنصرة دعوتهم وفكرتهم، ومن خلال قياسات سابقة، وجد أن معدلات التوظيف داخل الدعوة تصل إلى مستوياتها العليا في بعض الظروف والحالات منها المشاركة الانتخابية، فضلاً عن مشاهدات سابقة أكدت أن المشاركة في العملية الانتخابية أبرزت كفاءات وقدرات هائلة في الصف، نفع الله بها الدعوة فيما بعد، إذًا هذا مقصد آخر لخدمة الدعوة، أن نستنهض هذا الصف المبارك ليقوم بدوره في استنهاض الأمة.

4- أن نوضح للناس حقيقة دعوتنا ونكشف عنها زيف الشبهات والتهم:
إن شعار حملتنا (نحمل الخير لكل الناس) لهو خير رد على من يثيرون الشبهات والتهم حول دعوتنا وتاريخنا وقادتنا ومنهجنا، وعليه فإن العملية الانتخابية مجال حيوي للاحتكاك بالناس، وتوضيح فكرتنا ومقاصدنا، وتعريفهم بحقيقة دعوتنا، ونهتف فيهم بهتاف الإمام المؤسس رحمه الله: «يا قومنا.. إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام وهدى الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسي، فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة، فقولوا ما شئتم فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات»(3).

5- أن نُزيل الحواجز التي بيننا وبين قومنا:
أيضًا هي فرصة أن ننفر بدعوتنا بين قومنا، ونزيل الحواجز النفسية بيننا وبينهم، سواء التي غرسها الأعداء والخصوم في نفوسهم وعقولهم حولنا وحول دعوتنا، أو التي يضعها بعضنا أحيانًا، ونحن نتعامل مع غيرنا. ولعل التجربة الانتخابية السابقة ومن قبلها توجُّه الدعوة إلى الانتشار في المجتمع قد أثمر في هذا الجانب، ولكن نرجو المزيد، ويبقى أن نستمر على هذه الحالة التي نوازن فيها بين الحذر والنفير، فلا يقعدنا الحذر من الحركة والنفرة السريعة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)﴾ (النساء)، وأن يتحرك كل منَّا في دوائر المجتمع المحيط، وأداؤه يسبق انتماءه، وعندها سيقبل الناس علينا، ويلتفون حول فكرتنا، ويوقنون أن ما يُثار حولها ما هو إلا محض افتراء وكذب.

6- أن نستنهض الأمة للقيام معنا بواجبها في الإصلاح:
وهنا يظهر الفرق بين العمل مع المجتمع والعمل في المجتمع، فلا بد أن نحرك المجتمع معنا في قضية الإصلاح، وأن الإصلاح ليس مسئوليتنا وحدنا، ومن هنا يبدأ دورنا في تفعيل الناس وإشعارهم أنهم شركاء في المسئولية، وأنه من الواجب عليهم أن يتحركوا معنا لقيادة الأمة نحو التحرر والاستقلال والوحدة، إذًا مقصدنا هنا أن نحاول أن نوقف شعبنا أمام مسئوليته، وننقله من موقع المتفرج غالبًا أو المتعاطف أحيانًا أو المساعد نادرًا إلى موقع المتفاعل المشارك، ونذكِّرهم دائمًا بحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي قال: 
«مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم، وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»(4)، وهذا مقصد عظيم ينبغي أن يزداد اهتمامنا به، ونحن في خضم العملية الانتخابية.

7- أن ننشر قيم الإسلام في مجتمعنا:
وهي قيم كثيرة منها: (الحرية – أمانة اختيار من ينوب عنهم – المسئولية – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – محبة الصالحين المصلحين ودعمهم – الإيجابية – شهادة الحق – مقاومة التزوير- بث الأمل في الإصلاح والتغيير.. وغيرها)، وعليه يجب علينا أيها الإخوة ألا نغفل التركيز عن هذه المعاني وتلك القيم؛ لأن أعداءنا وخصومنا يروق لهم أن تظل مجتمعاتنا مكبلة بكثير من القيود، بعيدة عن هذه القيم الفاضلة، ونحن حين نتحرك لهذا المقصد ليس من أجل صوت انتخابي محدود الفائدة، ولكننا مع هذا نقصد إرشاد المجتمع وتهيئته ليحيا بقيم الإسلام العظيم، وهذا واجب كل منا على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عامة كما حدد الإمام البنا: «وإرشاد المجتمع، بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عامة» (5).

8- أن نقف مع المخلصين ضد الفساد وضد تزوير إرادة الأمة.

9- أن نحقق جانبًا من أهدافنا في العمل مع المجتمع وإرشاده.

10- أن نؤهل مزيدًا من رموزنا السياسية والدعوية كرصيد لمشروعنا الإصلاحي.

في الختام:
وبعد هذه المقاصد وغيرها تظهر نظرة الإخوان المسلمين للعملية الانتخابية أنها ليست صراعًا محدودًا من أجل مقعد، ولكنها نظرة شاملة جاءت من صميم دعوتهم الإصلاحية الشاملة، فمع الحرص على التمثيل البرلماني عبر مقعد يمثِّل منبرًا للإصلاح، فالعملية الانتخابية عند الدعاة والمصلحين: (عبادة وتربية وحركة ودعوة وإصلاح وواجب نحو الأمة والمجتمع.. وغيرها).

أسأل الله العلي الكبير أن يوفق إخواننا، وأن يفتح لهم البلاد وقلوب العباد، وأن يأذن لدينه أن يعود، ولشرعه أن يحكم الأرض وأن يسود ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ (الروم).

والحمد لله رب العالمين

———————————
الهوامش:
(1) رسالة إلى أي شيء ندعو الناس (ص 40).
(2) من رسالة الانتخابات: للإمام الشهيد حسن البنا.
(3) رسالة إلى أي شيء ندعو الناس (ص 41).
(4) رواه البخاري.
(5) رسالة التعاليم.

اترك تعليقا