الخوف من الله تعالى

الخوف من الله تعالى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد:

يقولون: «الراقد الغافل لا بد له من ثلاتة أمور تنهض به من رقدته وتُوقظه من غفلته ألا وهي (إفاقه من سكرة الهوى – انقطاع صله القلب عن الأرض – مؤثر ضخم ينبهه ويشده)، وذلك المنبه هو (الخوف من الله تعالى)».

أهمية الخوف وأهميته
– يقول ﷺ
: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا ان سلعة الله غالية، ألا ان سلعة الله الجنة».
– ولأهمية الخوف نجد في مواضع عدة من القرآن الكريم أن أغلب الأنبياء قالوا لأقوامهم:
(إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
– وعن ابراهيم بن شيبان قال:
«الخوف اذا سكن القلب أحرق مواضع الشهوات فيه، وطرد منه رغبه الدنيا، وأسكت اللسان عن ذكر الدنيا». شعب الايمان 1\513
– وقال ذا النون:
«الناس على الطريق مالم يُزل عنهم الخوف، فاذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق». تهذيب مدارج السالكين /27

الامور التي تدفع إلى الخوف
أولًا: الخوف من مغبة التقصير في حق العبودية.
ثانيًا: الخوف مهابة لله عز وجل.
ما للعباد عليه حـــــق واجب .. كلا ولا سعي لــــــــــديه ضائع
ان عذبوا فبعدله أو نعموا .. فبفضله، وهو الكريم الواسع
الوابل الصيب /128
ثالثًا: الخوف من عاقبة الذنوب.
رابعًا: الخوف من غضب الله: قال تعالى (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (لأعراف: 97-98)
خامسًا: الخوف من الاستدراج: قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 42-45)

سادسًا: الخوف من محبطات الأعمال كـ : (الرياء – العُجب – الشرك
– المنّ بالعطايا).
سابعًا: الخوف من عدم قبول الأعمال: قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون: 60)
ثامنًا: الخوف من الخذلان: قال تعالى (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة: 46)
تاسعًا: الخوف من سلب الايمان: قال تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف: 99)
عاشرًا: الخوف من سوء الخاتمة.
الحادي عشر: الخوف من لقاء ملك الموت.
الثاني عشر: الخوف من سكرات الموت وقبض الروح ومعرفة المصير.
الثالث عشر: الخوف من ضمة القبر وسؤال الملكين.
الرابع عشر: الخوف من الحبس في النار.

الوسائل العملية لاستجلاب الخوف
1- كثرة ذكر الموت.
2- الاستماع الى المواعظ والقراءة في كتب الرقائق.
3- إحصاء الذنوب.
4- التفكر في أسباب الخوف.
– يقول أحد الصالحين:
«قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قلَّ الحزن في القلب خرب كما يخرب البيت إذا لم يُسكن خرب» شعب الإيمان 1/514
– وعن ابراهيم التيمي قال: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا:
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر: 34)، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة. قال تعالى: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (الشورى: 22)»
شعب الإيمان 1/517

أحوال في الخوف
1- عن ابن عباس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يارسول الله أراك شبت؟ فقال: «شيبتني هود والواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، واذا الشمس كورت» صحيح الجامع (ح/3723).
2- أحوال الصحابة والتابعين: يقول ابن القيم «ومن تأمل أحوال الصحابة رضوان الله عليهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن» الداء والدواء /80.
أ- أبو بكر الصديق:
– فلنسمعه وهو يقول – رضي الله عنه :
«وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن»، وقال عنه قتادة : بلغني أن أبا بكر قال: «ليتني خضرة تأكلني الدواب».
– وذُكر عنه أنه كان يمسك بلسانه ويقول:
«هذا الذي أوردني الموارد»، وكان يبكي كثيراً ويقول: «ابكوا، فان لم تبكوا فتباكوا»، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.

ب- الفاروق عمر بن الخطاب
– وهو الذي قرأ سورة الطور يوماً حتي اذا بلغ قوله تعالى:
(إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) فبكى واشتد بكاؤه، حتى مرض فعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما يُعاد، يحسبونه مريضا، وكان في وجهه – رضي الله عنه – خطان أسودان من البكاء. 
– وقال لابنه وهو في الموت:
«ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني»
، ثم قال: «ويل أمي، إن لم يغفر لي (ثلاثاً)، ثم قضي.»
– قال له ابن عباس: «مصَّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل .. وفعل،» فقال:
«وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر».

ج- عثمان بن عفان
وهذا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تُبل لحيته، ويقول:
«لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير».

د- علي بن أبي طالب
وهذا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل، واتباع الهوى، قال:
«فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل».

هـ- وهذا أبو الدرداء كان يقول: «إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: «يا أبا الدرداء، قد علمت، فكيف عملت فيما علمت؟». وكان يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل».

و- وهذا الصحابي أبو هريرة يبكي في مرض موته، فقيل له: «ما يبكيك يا أبا هريرة؟» قال: «أما أني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي لبعد سفري، وقلة زادي، أصبحت في صعود مهبطة على جنة ونار، فلا أدري الى أيهما يسلك بي». حياة الصحابة 2/ 377

ز- وهذا الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بكى يومًا فبكت فاطمة بنت عبد الملك، فبكى أهل الدار، لايدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء. فلما تجلى العبر. قالت فاطمة: «بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟» قال: «ذكرت يافاطمة منصرف القوم بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه». صلاح الامه 4/213

ح- وهذا الإمام أحمد بن جنبل يقول: «الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب، واذا ذكرت الموت هان عليَّ كل أمر الدنيا. انما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وانها أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئًا، ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر». سير الاعلام 11/215-216

وختاماً نقول: أن الخوف من الله يدفع الإنسان دائماً إلى مراقبة قلبه ونفسه وجوارحه، ويعرضها كلها على ما أمر ربه وما نهي، فهذه الرقابة الشديدة هي من ثمار الخوف من الله تبارك وتعالى. قال أبو علي الثقفي: كان أبو حفص يقول: «من لم يزن أحواله كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره، فلا تعده». سير الأعلام 12/512 والمنجد 1/47
وهذا نموذج آخر لتفاعل الإنسان مع نفسه وحاله مع ربه، يعرضه لنا إبراهيم التيمي فيقول:
«مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارهـا وأعانق أبكارها. ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدي؟ فقالت: أريد أن أُرد إلى الدنيا فأعمل صالحًا. قلت: فأنت في الأمنية فأعملي».
وأخيرا: يقول ابن عطاء الله السكندري: «خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجًا لك».
والحمد لله رب العالمين

———————————

اترك تعليقا