الدعوة إلى الله – مَن.. لماذا.. كيف؟

الدعوة إلى الله – مَن.. لماذا.. كيف؟

بقلم: الدكتور محمود غزلان (*)

الإسلام دينٌ خالدٌ ودعوته عامةٌ لكل البشر في كل مكان وفي كل زمان وحتى قيام الساعة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: من الآية 28) ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107) والرسول حياته محدودةٌ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30)﴾ (الزمر) إذن فمن المكلف بحمل رسالته من بعده وتوصيلها إلى الناس؟ هنا تتحدَّد حقيقة ووظيفة المسئولية عن الإسلام ودعوته.

المسئولية عن الإسلام تعمُّ كافة المسلمين

ما دام الأمر كذلك فقد أوجب الله تعالى على كل من آمن بهذه الرسالة واتَّبع الرسول أن يحملها من بعده، وأن ينشرها بين الناس، وهذا واضحٌ من الأمر الإلهي للنبي بأن يحدِّد وظيفةَ أتباعِه من بعدِه ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾ (يوسف).

ولمزيد من التوضيح في تحديد الوظيفة يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 145) ويقول عزَّ من قائل: ﴿وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونًوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّّاسِ﴾ (الحج: من الآية 78).

كيف تتحقق الشهادة؟

تتحقق الشهادة بالبلاغ وبالتطبيق، ولقد قام النبي بالشهادة على جيله في أكمل صورها وأتم معانيها؛ حيث طرَق جميع الأبواب وسلَكَ كلَّ السبل لتبليغ الناس رسالتَه كاملةً وافيةً، وقام بتطبيق كل ما دعا إليه من تكاليف وفضائل، فكان قدوةً للعالمين حتى قال الله تعالى فيه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21)﴾ (الأحزاب)؛ ولذلك حرص صلوات الله وسلامه عليه على التأكد من قيامه بواجبه ذلك، فكان يسأل صحابته في حجة الوداع: «ألا هل بلغت؟!» فيقولون: اللهم نعم.. فيرفع أصبعيه إلى السماء قائلاً: «اللهم فاشهد».

إذن فقد شهد الرسول علينا بالبلاغ والتطبيق شهادةَ حقٍّ وصدقٍ، وعلينا حتى نقوم بواجبنا نحو ديننا ونشهد على الناس أن ندعوَ الناس ونبلغهم حقيقةَ رسالة الإسلام، سواءٌ أكانوا مسلمين لا يعلمون أم غير مسلمين، ليس ذلك فحسب ولكن لا بد من تطبيق ما ندعو إليه على أنفسنا أولاً، فلسان الحال أبلغ كثيرًا من لسان المقال، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف)، وذلك حتى إذا سمع الإنسان حقيقةَ الإسلام اقتنع به، وإذا رأى واقعةً ازداد إيمانًا.

والمسئولية في الإسلام عنه وعن كل شيء على ثلاث دوائر متداخلة:

1- المسئولية الفردية

كل إنسان مسئولٌ عن نفسه وعن عمله وعن أدائه لواجباته الفردية تجاه الله والدين، والآيات في هذا أكثر من أن تُحصى.. يقول تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾ (الإسراء) ويقول سبحانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)﴾ ( المدثر) ويقول ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (8)﴾ ( الزلزلة) ويقول: ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)﴾ (النجم).

2- المسئولية الأسرية وعما في ولاية الإنسان

فكل مَن جعلهم الله في ولايتك وتحت وصايتك فأنت مسئولٌ عن دعوتهم وعن تربيتهم وعن متابعتهم؛ حتى يكونوا صالحين في أنفسهم مصلحين لغيرهم.. «كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته.. ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته». ويقول تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى(132)﴾ (طه).

3- المسئولية العامة عن المجتمع وعن الدعوة وعن الناس جميعًا

 فالإسلام يربِّي أتباعَه على المسئولية وعلى الإيجابية، ويجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجاته فريضةً على كل فردٍ رجلاً كان أو امرأةً صغيرًا كان أو كبيرًا بشروطها التي حددها العلماء؛ وذلك من أجل صيانة المجتمع عن الشر ودفعه إلى الخير.. يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104) ويقول سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ (التوبة: 71)،

ويضرب لنا النبي مثلاً رائعًا يشبِّه فيه المجتمعَ بالسفينة التي إن أصابها خرقٌ في أي مكان وبفعل أيِّ إنسان فستغرق بالناس جميعًا.. يقول عليه الصلاة والسلام: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا (أي اقترعوا) على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فقال الذين في أسفلها لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا لِنستقيَ منه ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم لغرقوا وغرقوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم لنَجَوا ونَجَوا جميعًا».

إذن المسئولية لا تقف عند حدود العلماء أو الوعاظ فقط، ولكنها تتعداهم لتصبح أمانةً في عنق كل مسلم ومسلمة، ومن ثم ينبغي أن نستشعر واجباتهم نحو أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا وديننا، وهذه تتمثل في:

1- التربية الإيمانية والأخلاقية والعلمية والفكرية والثقافية والبدنية والاقتصادية، (أي واجباتنا نحو أنفسنا)، وهذه كلها تحتاج إلى حديث مستقل.

2- التربية الاجتماعية، (أي واجباتنا تجاه الآخرين والمجتمع)ويدفعنا لذلك كله:

أ – شعورنا بالمسئولية التي أسلفنا الحديث عنها وكذلك حرارة الإيمان التي تدفع للإيجابية والرغبة في نشر الخير، وفي هذا جاءت نصوص كثيرة نكتفي منها بما يلي: قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ (الحج: من الآية 78)، وقوله : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وقوله: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، وقوله: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

ب – الرغبة في أداء الواجب والخروج من إثم التقصير في حق المجتمع وحق الله.. يقول تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾ (العصر)، ويقول سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165)﴾ (الأعراف).

جـ – بدافع الطمع في فضل الله وأجره ومثوبته ورضوانه.. وفي هذا يقول الرسول الله : «لأن يهديَ الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النعم»، ويقول «من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثلُ أجور من اتبعه لا يُنقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا يُنقص ذلك من آثامهم شيئًا»، ومؤدَّى هذا أن من دعا غيره إلى الصلاةِ فاستجاب له كان كمن أدَّى كل فريضة مرتين وحصل على أجرهما وكذلك كل نافلة يتلقاها المدعو المستجيب يظفر الداعي بأجرها كاملاً دون أن يُنقص ذلك من أجر المدعو المستجيب شيئًا، فما بالنا لو كان المدعوون كثيرين؛ ولهذا ينبغي علينا نشر الدعوة وفعل الخير والكف عن السوء.

كيف ندعو؟!

أولاً: ينبغي ألا يضيقَ الداعي بالمدعو ولا يحتقرَه ولا ينظرَ إليه من علٍ، متقزِّزًا من أخطائه ومعاصيه، ولكن ينبغي أن يكون شفيقًا به رؤوفًا به كشأن الطبيب مع المريض.. ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159).. ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزَيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128)، وهكذا ينبغي أن نكون.

ثانيًا: أن ننهج سبيل القصد والاعتدال والتدرج، ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة – رضي الله عنها – قالت: «إن أول ما نزل من القرأن سور من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإيمان نزل لا تقربوا الزنا ولا تشربوا الخمر، ولو كان أول ما نزل لا تقربوا الزنا ولا تشربوا الخمر لقالوا والله لا ندعمها أبدًا».

ثالثًا: التيسير والتبشير، فينبغي أن نأخذ الناس باليسر ولا نشدد عليهم حتى لا ينفروا «ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرَين الا اختار أيسرَهما ما لكم يكن إثمًا» و «إن هذا الدين متينٌ فأوغل فيه برفق؛ فإن المنبت المتشدد لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى».

رابعًا: القدوة في السلوك والخلق والهيئة والنظافة حتى يصدق فعله قوله، وحتى يكون محبوبًا ومألوفًا يجتمع الناس عليه.

خامسًا: الإيثار وإنكار الذات، والمسارعة في خدمة المدعوين؛ فإن هذه الإخلاق بالذات من شأنها أن تعلق قلوب الناس بصاحبها وتقنعهم بصدقه في دعوته وعظمة الدعوة في ذاتها فيرتبطوا بها.

سادسًا: الحرص على المجاملات الاجتماعية كعيادة المريض ولو كان من أقاربه، والتهنئة في المناسبات الطيبة ومواساته في نقيضها، ودعوته لحضور دروس أو محاضرات، وإهداؤه، ودعوته على الطعام إلى آخر الوسائل.

سابعًا: الإسهام في الأنشطة الخيرية العامة، فالله تعالى يأمرنا بقوله: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج: من الآية 77).

ومجالات الخير كثيرة، فمنها كفالة الأيتام، ورعاية الأُسَر الفقيرة، والعناية بالمرضى في المستشفيات، وتعليم الأميين، ورعاية الطلاب دراسيًّا واجتماعيًّا.

وفقنا الله جميعًا إلى الخير ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).

———————

(*) عضو مكتب الإرشاد

اترك تعليقا