العُجب من السهام المُهلكة – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
في الطريق إلى الله قد تصيب المرء بعض السهام المُهلكة ذات الضرر البالغ، وأخطر هذه السهام ما يصيب القلب فيُمرضه، وما يصيب النفس فيُفسدها، لذلك وجبت رعاية النفس وتفقد القلب ووقايتهما.
ولا بدَّ للسائر إلى الله أن يكون واضحاً مع نفسه، صريحاً في معرفة عيوبها، فإن بداية العلاج الناجع الوضوح النافع والإقرار الدافع بأن هناك مرض يجب علاجه أو ضعف حان وقت تلافيه، وبدون هذا الإقرار بالضعف والاعتراف بالمرض لا يمكن العلاج.
وقد قال أهل التخصص فى هذا الباب قولهم، وهو: «أن التحديد الدقيق للمرض والتشخيص الجيد له؛ هو نصف الطريق إلى العلاج، وأن التحليل الدقيق لأسباب المشكلة والتوصيف الصحيح لها؛ هو نصف الطريق إلى الحل».
وهو نفس الأمر فى مسألة التوبة من الذنب، فالبداية الصحيحة للتوبة الصادقة معرفة الذنب والإقرار به. وبعد الوضوح مع عيوب النفس والإقرار بأدوائها، لا بد من برامج العلاج، وهو ما يسميه العلماء بالمشارطة، والتي تعني وضع برنامج زمني للعلاج والتخلص من العيوب.
العُجب من السهام المُهلكة نعم إنه سهم يُهلك من أصابه، ويفتك به، وذلك مصاق حديث رسول الله ﷺ، «ثلاث مهلكات: شحُّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». أخرجه البيهقي وحسنه الألباني
قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه: «الإعجاب ضدّ الصواب، وآفة الألباب».
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه: «الهلاك في اثنين: القنوط والعجب». وقد علق أبو حامد الغزالي – رحمه الله – على قول ابن مسعود فقال: «وإنما جمع بينهما؛ لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى».
جاء في فتح الباري لابن حجر العسقلاني: قال القرطبي:«إعجاب المرء بنفسه؛ هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم».
قال سفيان الثوري:«إعجابك بنفسك حتى يخيل إليك أنك أفضل من أخ لك، وعسى أن لا تصيب من العمل مثل الذي يصيب، ولعله أن يكون هو أورع منك عما حرم الله، وأزكى منك عملاً».
ومن علامة العجب بالنفس كما أخبر بشر بن الحارث الحافي: «أن تستكثر عملك، وتستقل عمل غيرك».
قال ابن قدامة المقدسيّ: «اعلم أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة وهذا مع الخلق. أما مع الخالق فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها فكأنه يمنّ على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمى عن آفاتها المفسدة لها، وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها، دون من رضيها وأعجب بها».
و لخطورة العجب، وأثره البلغ، اعتبره الشيطان هدفاً ومطلباً يفسد به نفس بن آدم، قال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: «إذا ظفر إبليس من ابن آدم بإحدى ثلاث خصال قال: لا أطلب غيرها: إعجابه بنفسه، واستكثاره عمله، ونسيانه ذنوبه».
ورحم الله من قال:
عجب من معجب بصـورته .. وكان بالأمــس نطفة مذرة وفي غد بعد حسن صورته .. يصير في اللحد جيفة قذرة وهو على تيهه ونخــــوته .. ما بين ثوبيــه يحمل العذرة
وأهل الدعوة يعتبرون (آفة العُجب) من الأفات الخطيرة التى ترتقي إلى حد الموانع التى تمنع الفرد من أن يكون عضواً نافعاً في العمل الجماعي، لأن العمل الجماعي له آخلاقه وآدابه وقيمه وأعرافه، وله متطلباته ولوازمه، ومنها (التجرد – الطاعة – الإخلاص – الشوري – والجندية – النزول على رأي المجموع – وسرعة التلبية والاستجابة -… وغيرها). لذلك فالشخص المعجب برأيه ونفسه وقدراته، تجده في الغالب لا ينسجم مع الآخرين ولا يستقيم أمره في عمل جماعي مُنظم.
وإن صادف وأصبح يعمل بالفعل وسط مجموعة، في (عمل جماعي منظم)، فالتجارب تقول: أن أصحاب الهوى المعجبين بأنفسهم وآرائهم يضرون العمل أكثر مما ينفعون، وتكثر بهم المشاكل وتزداد معهم العثرات. «وإنما يتعثر من لم يُخلص».
ورحم الله الإمام حسن البنا حين قال: «إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم، وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شيء وقفا عليها، حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا، والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا، والله يؤيديكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب، معلول الغاية، مستور المطامع، مجروح الماضي، فأخرجوا من بينكم، فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق»ـ