النمو والقوة على طريق الدعوة (2) – بقلم: الأستاذ مصطفى مشهور
القوة أما عن القوة التي نريد أن تصاحب النمو لكي لا يكون النمو ضعيفًا مترهلًا كالسمنة المفرطة عند بعض الأشخاص، والتى تُمثل عبئًا وتعويقًا بدلًا من أن تكون مصدر حركة ونشاط. وأهم وسيلة لتحقيق القوة مع النمو هي: (التربية واكتساب الخبرة والكفاءة).
وتحقيق القوة هو الاستجابة الطبيعية لأمر الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) الأنفال:60، ويلزم أن نقف وقفة أمام هذه الآية الكريمة لنأخذ منها بعض العبر والدروس، فقوله تعالى: (مَّا اسْتَطَعْتُم)، نعلم منها ألا ندخر أي جهد أو وقت أو مال أو غيره نستطيع أن نقدمه في سبيل إعداد هذه القوة إلا وقدمناها دون تأخير. ونأخذ منها أيضًا أن الله لا يطلب منا ما هو فوق استطاعتنا، ويُؤكد ذلك قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة:286.
وقوله تعالى: (مِّن قُوَّةٍ) يفتح الباب واسعًا للأخذ بكل أسباب القوة التي يحتاجها مجال العمل لتحقيق الأهداف ومواجهة الأعداء، وليس الأمر قاصرًا على قوة السلاح، وعلينا أن نستفيد من كل مستحدث نافع بعد صياغته في القالب الاسلامي بحيث لا نخالف تعاليم الإسلام.
ومن ألزم أنواع القوة المطلوب الأخذ بها، قوة الإيمان، وقوة الوحدة، وقوة العلم، وقوة البدن، وقوة المال، وقوة الشخصية، وقوة السلاح، وقوة الإعلام، وغير ذلك، وإن كانت القوى الثلاث الأساسية هي: قوة العقيدة، وقوة الوحدة، وقوة الساعد والسلاح، أما باقي القوى فهي كلها مطلوبة. وسنعرض إلى القوى التي ذكرناها بإيجاز شديد:
فقوة العقيدة أو قوة الإيمان هي الأساس الذي يقوم عليه بناء شخصية الفرد المسلم وبناء الجماعة بل والدولة، فأي ضعف أو خلل في العقيدة يُعرض البناء كله إلى الانهيار، وقد اهتم الرسول ﷺ بقضية الإيمان في أول مراحل الدعوة، ونزل القرآن يركز على العقيدة ونقائها من كل شائبة.
فالإيمان حينما يباشر القلب يُفجر عند صاحبه كل دوافع الخير والعمل الصالح، ويُقاوم نوازع الشر ويتغلب عليها، ويتضح ذلك الأثر عندما نستعرض صفات المؤمنين الواردة في كتاب الله وسنة رسوله. ونريد الايمان القوي الحي المتجدد، ومجال تحقيق ذلك؛ التربية وتزكية النفوس وتقوية الجانب الروحي والصلة بالله.
وأما قوة الوحدة فتتحقق بتوفر الأخوة والحب في الله بين من يسلكون طريق الدعوة، فهي بمثابة المادة التي تشد البنيان بعضه إلى بعض، وتجعله قويًا متماسكًا، فلا يسمح للعدو أن ينفذ منه، ويصمد أمام محاولات الأعداء للقضاء على الحركة أو تعويقها. وقدوتنا رسول الله ﷺ، سبقنا في الاهتمام بتلك القوة فآخى بين المهاجرين والأنصار، ودعا إلى تزكيتها، فوجدت قلوباً صافية صادقة، وضربت أمثلة رائعة للإيثار والزهد أيضًا، وقد سجل القرآن لهم ذلك في سورة الحشر في قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر 8-9.
وقد اقتبس الإمام الشهيد أهمية الأخوة من سيرة الرسول ﷺ فجعلها ركنًا من أركان البيعة، وذكر أن أعلى مراتبها الإيثار وأدناها سلامة الصدر، وكان دائمًا يذكرنا بالحب والأخوة في كل حديث وكل مناسبة، وقد تميزت الجماعة بهذه النعمة ولله الحمد، فنجدها تتحقق بينهم بصورة قوية مهما تباعدت ديارهم أو اختلفت ألسنتهم وألوانهم، فعلى من يسلكون طريق الدعوة أن يحرصوا على تزكية الحب والأخوة وقوة الوحدة وحمايتها من كل ما ينال منها.