(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)

(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)د. محمد حامد عليوة

تأملت في قول الله تبارك وتعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (الأحزاب:7)، فوقفت أمام معنى تدعونا إليه هذه الأية وهو: أن على كل مؤمن أن يقدم حب النبي والولاية له على نفسه التي بين جنبيه، فنفسك أيها المؤمن وكل ما تملك فداءً لنبيك ومِلك لرسولك ﷺ، وبالتالي عليك أن توقف النفس وكل ما تملك لمناصرة دعوته وحماية شريعته، وفي ظل هذه الولاية ليس لك أن تبخل بنفسك أو مالك أو جهدك عن نُصرة النبيّ محمد ﷺ والعمل لدعوته.

ثم تدبرت في كلمة (أَوْلَىٰ) لماذا لم ترد بلفظ (أحق) رغم أن المعني قريب، وبالبحث اللغوي عن دلالة الكلمتين تبين لي فائدة وهي: أن (أَوْلَىٰ) فيها من الشعور بأن هذا الاستحقاق النبوي إنما كان عن حب وولاء ورغبة ورجاء، لا عن خوف وإرغام وإكراه وإلزام.

والدرس الأول هنا: درس تربوي في قيادة الناس وتولى أمورهم، فسياسة الناس والقيام على أمرهم لا تستقيم عنوة، ولا تستمر بالإكراه والإرغام، والولاء لا يمكن أن يشترى بثمن، ولا يتحقق دون رغبة داخلة نابعة من قلب صاحبها، فالناس يتربون بالقدوة والأسوة لا بالشدة والقسوة. والله أعلى وأعلم.

(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)
وقد أورد السعدي في تفسيره لهذه الأية كلاماً بديعاً في قدر ومكانة النبي بين المؤمنين، وأبوته الحقيقية لهم جميعاً، فقال: «يخبر تعالى المؤمنين، خبرًا يعرفون به حالة الرسول ﷺ ومرتبته، فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة فقال:
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه، فالرسول أولى به من نفسه، لأنه عليه الصلاة والسلام، بذل لهم من النصح، والشفقة، والرأفة، ما كان به أرحم الخلق، وأرأفهم، فرسول اللّه، أعظم الخلق مِنَّةً عليهم، من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه.

فلذلك، وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس، مع مراد الرسول، أن يقدم مراد الرسول، وأن لا يعارض قول الرسول، بقول أحد، كائنًا من كان، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويقدموا محبته على الخلق كلهم، وألا يقولوا حتى يقول، ولا يتقدموا بين يديه.
وهو ﷺ، أب للمؤمنين، كما في قراءة بعض الصحابة، يربيهم كما يربي الوالد أولاده. فترتب على هذه الأبوة، أن كان نساؤه أمهاتهم، أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام، لا في الخلوة والمحرمية».

والدرس الثاني هنا: إذا كان هذا هو حال النبيﷺ معنا كما أخبرنا ربنا عز وجل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)) (التوبة)، النبي الرَءُوفٌ الرَّحيم الذى بذل لنا من النصح، والشفقة، والرأفة، ما كان بنا أرحم الخلق، وأرأفهم، وأعظم الخلق مِنَّةً علينا من كل أحد؛ فكيف يكون حالنا معه ومع سنته ورسالته؟ وكيف ننصره ونذود عن حياض دعوته؟ وكيف نضحي بالسير على طريقته وحمل لواء دعوته؟ وكيف نحسن البر به ونؤدي حق الأبوة نحوه فنقتدى بقوله وفعله وهديه كله؟.. وغيرها من التساؤلات التى نقف به مع أنفسنا تجاه نبينا وقدوتنا.

يقول الإمام الآلوسي: «وإذا كان ﷺ بهذه المثابة في حق المؤمنين، يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه -عليه الصلاة والسلام- عليهم أنفذ من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها».

اللهم كما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم أحينا على سنته، واستعملنا لخدمة دعوته، اللهم أمتنا على ملته، واحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا