الوحدة وعدم التفرق (2)

الوحدة وعدم التفرق (2)بقلم: الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله 

الخلاف يرد إلى الله ورسوله
لا يتحقق ذلك إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ، والالتزام بكل ما فيهما من تعاليم وآداب تحافظ على هذه الوحدة. فإذا بدأ أي خلاف يُحسم في الحال برده إلى الله ورسوله، والنزول على حكم الله ورسوله، فيزول الخلاف قبل أن يتفاقم وتحدث الفرقة.

وعندما ضعف استمساك المسلمين بدينهم، وولعدم رجوعهم ونزولهم على ما في كتاب الله وسنة رسوله ؛ دب الخلاف بينهم وازداد مع الأيام، وشمل كل الوحدات. نراه بين الأسرة الواحدة، وبينها وبين أقاربها وجيرانها، وتقسمت الدولة الإسلامية فرقًا، وسادت الخلافات بينها، بل وقامت الحروب فيما بينها، وأُريقت الدماء المسلمة، ودُمرت أموال المسلمين، وكان الأجدر أن تُوجه إلى أعداء الله الذين احتلوا أرضنا ومقدساتنا.

وإذا كانت الوحدة بين المسلمين واجبة ولازمة، فهي بين من يسلكون طريق الدعوة والعاملين في حقل الدعوة الإسلامية أوجب وألزم، لتتضافر جهود هذه العناصر الحية المتفتحة لتحقيق مطالب الدعوة في هذه الفترة الدقيقة من عمر الدعوة؛ بإرساء القاعدة والأساس المتين لدولة إسلامية عالمية، تخلف الدولة التي سقطت، وحتى تعلو كلمة الله وتُرفرف الراية الإسلامية عالية على ربوع العالمين.

فهل يُقبل أن تختلف هذه النوعية الحية المتحركة للعمل للإسلام وتتضاد جهودها بدل أن تتضافر وتتعاون؟ أي جريمة هذه في حق العمل الإسلامي؟ ولا وسيلة لإزالة أي خلاف من هذا النوع إلا بتجريد النفوس من الهوى، والالتزام بكتاب الله وسنة رسوله ، وسلامة الصدر وصفاء النفوس، والبعد عن كل ما من شأنه أن ينال من الوحدة وجمع الكلمة.

الأشخاص يختفون بجانب الحق
وليكن اجتماعنا على الحق، ولا يكن لأشخاصنا بروز بجانب الحق، وندع من يرغبون في الزعامات ويحبون الظهور، الذين يجمعون الناس حولهم ليوجدوا لأنفسهم منزلة وكيانًا.
ولنعلم أننا كلنا أجراء عند الله، نعمل في سبيله لننال الأجر وحُسن المثوبة، واشترط علينا أن نكون متحابين متآخين، وإلا تعرض عملنا إلى عدم القبول.

الأصل أن تتوحد كل هذه الرايات المرفوعة باسم الإسلام وتتوحد جميعها على فهم واحد للإسلام، هو الفهم الذي كان عليه سلفنا الصالح، بعيدًا عن الانحرافات والشوائب والبدع، وتتوحد أيضا على التصور الصحيح الكامل للعمل، والسير لتحقيق متطلبات الإسلام، مقتدين في ذلك بطريق رسول الله وهديه في السير بالدعوة وتحقيق متطلباتها.

ليس من الإخلاص والوفاء والصدق لدعوة الله أن يختلف العاملون للإسلام حول جزئيات وفرعيات، ويوصلهم هذا الخلاف إلى رفع رايات مختلفة يتوزع المسلمون وشباب الإسلام حولها. إن المسلمين يُحاربون ويُصرفون عن أصول عقيدتهم، فكيف يختلفون حول الفرعيات والجزئيات ويعرضون وحدتهم إلى الضياع، والنيل منها وهذه أمنية أعداء الله.

وحدة المسلمين فرض واجب
ولنعلم أن وحدة المسلمين فرض واجب أولى من السنن، وقد حدث إن اختلف المسلمون في إحدى قرى مصر حول كيفية أداء الأذان للصلاة وما يلحق به من الصلاة والسلام على رسول الله، واشتد الخلاف بينهم وعرضوا ذلك على الإمام الشهيد حسن البنا، فنصحهم بترك الأذان الذي هو سبب الخلاف، فأنكروا ذلك، فقال لهم: «الأذان سنة ووحدتكم فرض واجب، فإذا كانت السنة ستكون سببًا في تضييع الواجب فلا داعى لها»، فاستبانوا خطأهم وعدلوا عنه، والتزموا السنة في الأذان.

إن المسلم الحق لا يسمح لنفسه أن يكون عونًا على تفريق كلمة المسلمين بصورة أو بأخرى، بل يجب أن يجعل من نفسه عنصرًا فعالاُ في جمع كلمة المسلمين ووحدتهم. فإن كلمة تصدر من مسلم لا يلقى لها بالًا يكون فيها تفريق لصفوف المسلمين، يترتب عليها إزهاق أرواح مسلمة، إما بأيدى الأعداء أو بأيدى المسلمين بسبب هذا الخلاف، فيحمل صاحب تلك الكلمة وزر ما ترتب عليها.

يجب أن نتفادى أسباب الخلاف
كما أن علينا أن نتفادى كل أسباب الخلاف والبغضاء بالا نسخر ولا نتنابذ بالالقاب، والا نغتاب، وأن بتعد عن كل ما يُثير النفوس، فقد أمرنا ديننا أيضا بالصفح وكظم الغيظ والتعود على الإحسان لمن يُسىء إلينا، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَأبَزُوا بِالْأَلْقَأبِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَأنِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات 11، ويقول تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَأوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت 34، وقول رسول الله : «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» رواه مسلم.

وبجانب تفادى أسباب الخلاف ومنع مضاعفاته يأمرنا القرآن بضرورة اتخاذ خطوات إيجابية لإزالة الخلاف وإحلال الصلح (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات 10، وضرورة الوقوف في وجه الفئة التي تبغى، حتى تفىء إلى أمر الله، ثم يتم الصلح والوئام الذي هو الأصل.

هكذا نجد الإسلام في عباداته ومعاملاته وتشريعاته يدعو إلى الوحدة ويحميها مما ينال منها، فلنحرص على تحقيق ذلك، ولنتعاون ولا نختلف، كي نكون أهلًا لرضوان الله وتأييده ونصره، فهو نعم المولى ونعم النصير.

—————————————-

اترك تعليقا