
بين الشيخ والمريد (دروس في التربية)
- zadussaerinweb@gmail.com
- أكتوبر 3, 2020
- المربي القدوة
- 0 Comments
بين الشيخ والمريد (دروس في التربية)
موقف في التربية بين الشيخ والمريد والعالم والمتعلم والمربي والمتربي، الشيخ/ العالم: هو شقيق البلخي من زهّاد خرسان وكبار مشايخهم، والمتوفى شهيداً سنة 192هـ. والمريد/ المتعلم: هو حاتم الأصم الزاهد المشهور، والمتوفى سنة 237هـ، وكان أحد تلاميذ شقيق البلخي. وكل من الرجلين (شقيق – حاتم) من علماء وزهاد السلف، وقد أثنى عليهما ابن الجوزي والذهبي. قال الذهبي في العبر: حاتم الأصم أبو عبد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم. وكان يقال له (لقمان هذه الأمة).
نقل أبوحامد الغزالى – رحمه الله تعالى – في كتاب العلم من (إحياء علوم الدين)، فائدة هامة تعلمها من شيخه شقيق البلخي في (صفة المتعلم)، فقال الغزالي:
ينبغي أن يكون المتعلم من جنس ما روي عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخي – رضي الله تعالى عنهما – أنه قال له شقيق: منذ كم صحبتني؟ قال حاتم منذ ثلاث وثلاثين سنة. فقال: فيما تعلمت في هذه المدة؟ قال: ثماني مسائل. قال شقيق له: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل! قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها وإني لا أحب أن أكذب. فقال: هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها.

قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوباً فهو مع محبوبه إلى القبر، فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي. فقال: أحسنت يا حاتم، فما الثانية؟
فقال: نظرت في قول الله عز وجل: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) فعلمت أن قوله سبحانه هو الحق، فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
الثالثة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل:(مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ) فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظاً.
الرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هي لا شيء، ثم نظرت إلى قول الله تعالى :(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريماً.
والخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضاً وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فتركت الحسد واجتنبت الخلق، وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه، فتركت عداوة الخلق عني.
والسادسة: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضا، فرجعت إلى قول الله عز وجل: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فعاديته وحده، واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي، فتركت عداوة الخلق غيره.
السابعة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة فيذل فيها نفسه ويدخل فيما لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها، فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت ما لي عنده.
الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على المخلوق، هذا على ضيعته، وهذا على تجارته، وهذا على صناعته، وهذا على صحة بدنه، وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.
فقال شقيق: يا حاتم وفقك الله تعالى فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم فوجدت جميع أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل، فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة.
قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله تعالى -: «فهذا الفنّ من العلم لا يهتم بإدراكه والتفطن له إلا علماء الآخرة، فأما علماء الدنيا فيشتغلون بما يتيسر به اكتساب المال والجاه ويُهملون أمثال هذه العلوم التى بعث الله بها الأنبياء كلهم عليهم السلام.»
———————-