
تأملات في الدعوة والتربية
- zadussaerinweb@gmail.com
- يونيو 13, 2021
- دعوتنا
- 0 Comments
تأملات في الدعوة والتربية
بالنظر في أحوال الدعاة تجد مشكلة تبدو واضحة، تتفاوت من مكان لأخر ومن زمن لأخر، ومن شخص لأخر، وهي (حالة الملل والفتور في حياة الدعاة). ومما لا شك فيه أن لهذه المشكلة مظاهر عدة ولها أيضا عدة أسباب.
هذه المشكلة تعكس حالة الجمود ومحدودية التجديد والتطوير في واقع العمل الإسلامي المعاصر، فضلًا عن ضعف مواكبة واقع العصر ومحدودية الأخذ بالأسباب والإمكانات المتوافرة فيه. وكما جاء في القول المأثور: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها» (*) بمعنى أن المؤمن مطالب بالأخذ بكل سبب ووسيلة ينهض من خلالها بدعوته، طالما أنها أسباب ووسائل مشروعة، بغض النظر عن مصدر هذا السبب أو هذه الوسيلة.
إن السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربوية والدعوية، وبذلك تبقى (التربية) استفادة بدون إفادة، كما تبقى (الدعوة) أخذًا بدون عطاء.
أما المنهج الإسلامي – قرآنًا وسنّة وسيرة وتاريخًاً – فيعتبر العطاء ثمرة الأخذ والتلقي، مصداقًا لقوله ﷺ «بلغوا عني ولو آية». رواه البخاري والترمذي.
وهل أدل على هذا المعنى من قوله تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)). النساء
وفي ضوء هذا التصور تصبح (التربية) كما (الدعوة) مفردات في إطار (المشروع الإسلامي) الذي يهدف إلى إصلاح وتغيير الواقع الاجتماعي، كما يصبح لكل فرد دوره في هذا المشروع.
• النظرية التربوية: إن هذه الاعتبارات الموضوعية وغيرها تفرض على الحركة الإسلامية أن تعمل على إعادة النظر في نظريتها التربوية، وتعمد إلى تطويرها بما يتكافأ والدور الموكول إليها.
إن النظرية التربوية للمشروع الإسلامي يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة تربية الأمّة، وإلى نظرية تصلح لأن تُبنى عليها السياسات التربوية في المؤسسات الأهلية والرسمية على حد سواء.
• النظرية الدعوية: وما يقال عن ضرورة إعادة النظر في النظرية التربوية يجب أن يُقال كذلك في النظرية الدعوية، تربية وخطابًا وأداءً ونهجًا ووسائل وآليات.
لم يعد جائزًا بقاء الدور الدعوي محصورًا في خطبة الجمعة والمناسبات التاريخية، على كبير أهميتها وقيمتها، فالمجتمع من حيث المساحة يتعدى مساحة المسجد والقاعة أو المنتدى. والدعوة يجب أن تصل إلى كل موقع وتبلغ كل قطاع، ليتحقق الشهود العام على الناس، أفرادًا ومؤسسات، (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165))، النساء.
والنظرية الدعوية – منهجية ومادة – غير محصورة بطبقة معينة من الناس، فهي ليست وظيفة علماء الشريعة لوحدهم – على سبيل المثال – وإنما هي وظيفة الجميع في كل مواقعهم واختصاصاتهم ومنابرهم.
من خلال هذا التصور يبقى المسجد منبرًا دعويًا رئيسيًا، مضافًا إليه المنبر التعليمي (المدرسي والجامعي) والمنبر الإعلامي، والمنبر الاجتماعي الخيري، والمنبر النيابي والسياسي وسائر المنابر الأخرى.
إن النظرية التربوية والدور الدعوي يجب أن يتجاوز حدود الشريحة الإسلامية الواحدة ليبلغا آفاق الأمة الإسلامية، فضلًا عن آفاق العالم أجمع، تحقيقًا لعالمية الخطاب القرآني الدعوي: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)). المائدة.
وهذا الطرح لا يتعارض إطلاقاً مع ضرورة أن تكون هناك (قاعدة صلبة) من العاملين للإسلام لهم خطابهم ومناهجهم التى تبني الركائز والأعمدة التى تسهم في تحقيق المقاصد الدعوية والتربوية للمشروع الإسلامي، وتحافظ عليه من الانحراف أو الذوبان أو الاحتواء أو التحور.
(*) هذا قول مأثور، لفظه (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.) وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وشاع بين الناس أنه حديث نبوي. قال الترمذي فيه: هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ ـ وحكم الألباني على الحديث بأنه ضعيف جدا. وقد رواه ابن حبان في الضعفاء عن أبي هريرة ولفظه: (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها جذبها).
وهذا الحديث وإن لم يثبت مرفوعاً إلى النبي ﷺ فإن معناه صحيح، وذلك أن المؤمن لا يزال طالبا للحق حريصا عليه، ولا يمنعه من الأخذ به حيث لاح وجهه شيء، فكل من قال بالصواب أو تكلم بالحق قبل قوله وإن كان بعيدا بغيضا، وقد قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) {المائدة:8}.