ثلاث من كنَّ فيه كنَّ عليه

ثلاث من كنَّ فيه كنَّ عليه – بقلم: د. محمد حامد عليوة

نقف أمام حقيقة قرآنية دامغة، فيها من الإشارات والمعاني التربوية المبشرة، وهو ما يجعل أهل الحق يعلقون القلوب بمولاهم، ويعقدون الأمل على ربهم، ويستبشرون بفرجه القريب ومعيته الكريمة لهم، فهو سبحانه وتعالى عليم بوفاء أوليائه، ومُحبط لمكر أعدائه، يدبر لعباده المؤمنين، ويوهن كيد الكافرين، فهو سبحانه من ورائهم محيط، وعند الله مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.

وهذه الحقيقة مفادها: (ثلاث خصال من كنَّ فيه كنَّ عليه).
وقد استخلصها أهل العلم من كتاب الله سبحانه الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) وهي:
1- (المكر) قال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). فاطر: 43
2- (البغي) قال تعالى: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم). يونس: 23
3- (النكث) قال تعالى: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ). الفتح: 10
هذا وعد الله سبحانه، ووعد الله حق، وهذا قوله سبحانه، وقول الله صدق.

وقفت قليلاً أمام قول الله تبارك وتعالى في سورة يونس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23)).
وخرجت بعد تدبرها بهذا المعنى الذى أخاطب فيه كل ظالم باغٍ جبار: «يا أيها البغاة الظلمة في كل مكان، لا تظنوا أن بغيكم بغير الحق لن يعود عليكم، فستشربون من كأس البغي عاجلًا أو آجلًا، وَيَا من تبغون في الأرض بغير الحق طلبا لجاه أو لقب أو منصب أو انتصارٍ للنفس؛ اعلموا أن بغيكم على أنفسكم، وأن كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وانكم ستذوقون من البغي ما أذقتم به غيركم بغير حق، وإن زينتم للناس بغيكم وغاب عنهم سوء فعلكم فإن الله يعلم ما تفعلون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كُنتُم تعملون».

وتأملت فى قوله تبارك وتعالي: (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) سورة المؤمنون.

فقلت لمن يرون الطغاة البغاة الماكرين منتفشين متسلطين:
«لا يغرنكم طول أمد الظلم، وشعور الظالمين بأن الأمر استتب لهم، وأنهم أمسوا آمنين من عقاب الله، فيد الله تعمل، وقدره في الظالمين الطغاة نافذ، والأمر قريب جدًا أكثر مما يتصورون، فليل الطغيان سيتبعه عما قليل صبح الندم والحسرة. وهذا ما أكدته الآية التالية (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41))».

تأملوا مقدمة هذا الحديث القدسي، وأشربوا نفوسكم به،:«مَن آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» أخرجه البخاري. (إيذاء يُوجب الحرب من الله) فما بالكم بمن يحارب الله ورسوله، ويقتل النفس المؤمنة بغير حق، وينتهك الأعراض، ويسفك الدماء، ويسجن الأبرياء، وينكل بالعلماء.

فلا تغرنكم انتفاشة الباطل، ولا يرهبنكم بغيه وعدوانه، ولا يتطرق اليأس إلى قلوبكم بصولاته وجولاته، لأنه زهوق يحمل ضعفه فيه. وتدبروا قوله تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا)، ما نتيجة البغي والعدوان ؟ (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ).

من هنا وجب على أهل الحق الذي مكر بهم الماكرون، وبغى عليهم الباغون، أن ينتظروا فرج الله القريب، وانتقامه العاجل من هؤلاء الذين مكروا وبغوا، فما مكروا وبغوا إلا على أنفسهم، وإن طال بهم الوقت دون انتقام الجبار منهم. هذه حقائق دامغة، وسنن واقعة. فأبشروا وأملوا أيها الأحبة، وانتظروا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).

نسأل الله سبحانه النصر والتأييد لأوليائه، والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا