حقيقة دعوتنا –  د. محمد حامد عليوة

حقيقة دعوتنا  –  د. محمد حامد عليوة

يقول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف: 108. ما أعظم الدعوة إلى الله، وما أشرف الدعاة والمصلحين، فالدعوة أعز رسالة وأحسن مهمة، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت: 33، فمن خلالها يتعرف الناس على خالقهم، ويُدركون غاية وجودهم في هذه الحياة، ومن خلالها يؤدون واجب الاستخلاف في الأرض ويحققوا مقصد الخيرية الوارد في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه) آل عمران: 110.

وفي هذه الإطلالة السريعة نسلط الضوء على حقيقة دعوة الإخوان المسلمين، كبري الحركات الإسلامية العامة على الساحة، بهدف بيان حقيقتها وطبيعة منهجها في الدعوة والإصلاح والتغيير، خاصة وأن الشبهات التي تُثار حولها والتهم التي تُوجه لأبنائها كثيرة ومن نواحي عدة، هذا فضلاً عن السياسات والخطط التي تهدف إلى النيل منها ومن منهجها وتشويه تاريخها وجهادها.

ولعل أبسط تعريف وأدق توصيف لدعوة الإخوان المسلمين أنها: «هيئة إسلامية جامعة تعمل لإقامة دين الله في الأرض وتحقيق الأغراض والمقاصد التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف. ويؤمن الإخوان بالإسلام عقيدة تحكم توجهات المسلمين كما يؤمنون به شريعة ومنهجًا شاملًا لكل جوانب الحياة».

وفي ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الدعوة، والمكر السيء الذي يدور حول الدعوة وأبنائها، نؤكد هنا: أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة إسلامية صميمة، تسير على هدي النبي محمد ﷺ؛ في الدعوة والإصلاح والتغيير، وبالتالي فهي امتداد لطريق الأصالة الذي سار عليها الأولون الأكارم، دعوة نقية من المطامع والأهواء، دعوة قامت لتنهض بالأمة وتُعيد مجدها التليد من جديد، ولأنها كذلك فستنتصر بإذن الله تعالى، ولن يستطيع الأعداء والخصوم أن يَقفوا أمامها أو أن يُوقفوا مسيرها، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) فاطر 43، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) غافر: 51.

من هنا كان هذا البيان والتوضيح حول بعض جوانب هذه الدعوة، وحقيقتها كما بيّن مؤسسها الأستاذ الإمام حسن البنا – رحمه الله.
يقول الإمام البنا في رسالة (الاخوان تحت راية القرآن):
«أيها الاخوان المسلمون: بل أيها الناس أجمعون، لسنا حزبًا سياسيًا وإن كانت السياسة علي قواعد الاسلام من صميم فكرتنا، ولسنا جمعيةً خيريةً إصلاحيةً وإن كان عمل الخير والاصلاح من أعظم مقاصدنا، ولسنا فرقًا رياضية وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا.

لسنا شيئًاَ من هذه التشكيلات، فإنها جميعًا تبررها غاية موضعية محدودة لمدة معدودة، وقد لا يوحى بتأليفها إلا مجرد الرغبة فى تأليف هيئة، والتحلى بالألقاب الإدارية فيها. ولكننا أيها الناس: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يُحدده موضع ولا يُقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمرٍ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين».

ويقول في موضع آخر في ختام رسالة (بين الأمس واليوم):
«أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبًا سياسيًا ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيُحيه بالقرآن، ونور جديد يُشرق فيُبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددًا دعوة رسول الله ﷺ».

نخلص من كلام الإمام حسن البنا بعدة حقائق ونتائج:
1- أنها دعوة ربانية: لأن الأساس الذي تدور عليه أهدافها أن يتقرب الناس إلى ربهم، وأن ترتبط قلوبهم بمولاهم سبحانه وتعالى، وأن يتجردوا لدينهم ودعوتهم، ويخلصوا القصد والعمل لله رب العالمين. يقول الإمام البنا في بيان ذلك: «أما إنها ربانية، فلأن الأساس الذى تدور عليه أهدافنا جميعاً أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها، ونحن الإخوان المسلمون نهتف من كل قلوبنا: (الله غايتنا)، فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التى تربطهم بالله تبارك وتعالى» (رسالة: دعوتنا في طور جديد).

2- أنها دعوة إسلامية: لأنها تنتسب إلى الإسلام العظيم بشموله وكماله وتمامه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا) المائدة: 3 ، وقد أكد الأستاذ الإمام البنا على إسلامية الدعوة، فذكر: «كذلك كانت وستظل دعوة إسلامية محمدية قرآنية، لا تعرف لوناً غير الإسلام،  ولا تصطبغ بصبغة غير صبغة الله العزيز الحكيم، ولا تنتسب إلى قيادة غير قيادة رسول الله ﷺ ، ولا تعلم منهاجاً غير كتاب الله تعالى، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». (مذكرات الدعوة والداعية).

3- أنها دعوة عالمية: فهي موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها إخوة أصلهم واحد (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سبأ: 28. لا يتفاضلون إلا بالتقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). الحجرات: 13

4- أنها دعوة الشمول: فلا تنحصر في جانب من جوانب الحياة، فلا نحصرها في أعمال سياسية وصراعات حزبية ومنافسات انتخابية وإن كانت السياسة وفق منهج الإسلام جزء من مهامها. كما لا يجب أن نحصرها في أعمال اجتماعية وإغاثية وإن كانت هذه الأعمال الخيرية جزء من واجباتها ومجال من مجالات عملها. ولكنها دعوة شاملة تتناول مظاهر الحياة جميعًا، انطلقت بشمولها من شمول هذا الدين العظيم.

ويؤكد الإمام البنا على هذا المعنى، فيقول: «كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبى الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين: دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية» (رسالة: المؤتمر الخامس).

5- أنها دعوة التربية والتكوين: لأن التربية الشاملة والتكوين المستمر هما عماد هذه الدعوة. وأهم ما يُميزها عن غيرها من الدعوات. فقد تمكنت من خلال منهجها التربوي أن تكون وتربي صفًا يحمل الدعوة ويتحرك بها، وهذا من أفضل نتائجها، لأن الفرد هو عماد نهضة الأمة، لذلك كان الإمام البنا يقول للإخوان دائما «كَونوا أنفسكم تتكون بكم أمتكم». هذه التربية التي يجب أن يخضع لها الجميع الكبير والصغير، القديم والجديد، القائد والجندي، فليس هناك في دعوة الإخوان من هو خارج إطار التربية والتكوين.

6- أنها دعوة الإخلاص والتجرد: يتربى أبناءها أن يقصدوا بأعمالهم وأقوالهم وجه الله وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر. ولهذا كان الإخلاص ركنًا من أركان بيعتها، وكان دائمًا ما يُنادي الإمام البنا في الإخوان فيقول لهم: «إن الخفي على هذه الطريق خير من الظاهر». كما أنها دعوة التجرد من الأهواء والمطامع، بأن يتجرد الفرد فيها لفكرته ومبادئ دعوته عما سواها من المبادئ والأفكار والأشخاص، لأنها أسمى الأفكار وأعلاها (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ). البقرة: 138.

7- أنها دعوة بريئة نزيهة: وهو المعنى الذي أشار إليه الإمام البنا بقوله: «ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت فى نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قُدماً فى الطريق التى رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف 108». (رسالة دعوتنا)

8- أنها دعوة النقاء والوحدة: وهو ما أكد عليه الإمام حسن البنا فى رسالة (دعوتنا)، أنها دعوة نقية من نقاء وصفاء الدعوة الأولى، وأنها دعوة تجمع ولاتفرق، فقال -رحمه الله-: «فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما مُني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها». (رسالة دعوتنا)

9- أنها دعوة السموّ والإباء والعزة: وهي خصيصة تلازمها من أول يوم، فلا يستطيع تطويعها أصحاب النفوذ أو الكبراء والأعيان. وقد أكد على هذه الصفة الإمام البنا حين قال: «فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتي هي أحداً، وتستغني عن غيرها، وهى جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص. إذاً فاقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مد لكم يده على أساسه، فأهلاً ومرحباً فى وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار؛ أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم، وينفذ تعاليمكم، ومن أبى فسوف يأتى الله بقوم يُحبهم ويُحبونه». (مذكرات الدعوة والداعية)

10- أنها دعوة عفيفة: بمعنى أنها دعوة مبدأ وشرف لا تمد يدها بالطلب لأحد، ولا يمكن لأحد أن يمتن عليها أو يشتريها بماله أو منصبه، أو يحرفها عن خطها بنفوذه وبما يملك، وقد أشار الإمام البنا إلى ذلك فقال: «واذكروا جيداً – أيها الإخوة – أن دعوتكم أعف الدعوات، وأن جماعتكم أشرف الجماعات، وأن مواردكم من جيوبكم لا من جيوب غيركم، ونفقات دعوتكم من قوت أولادكم ومخصصات بيوتكم، وأن أحداً من الناس أو هيئة من الهيئات أو حكومة من الحكومات أو دولة من الدولات لا تستطيع أن تجد لها في ذلك منة عليكم، وما ذلك بكثير على دعوة أقل ما يُطلب من أهلها النفس والمال، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) التوبة 111». (رسالة المؤتمر السادس).

مما سبق يتبين لنا أن دعوة الإخوان المسلمين، دعوة إسلامية نقية، ربانية في منطلقها ومقصدها، محمدية في هديها، إصلاحية شاملة في منهجها، عالمية لا تحدها حدود أو تقف أمامها تخوم، أو تُفتتها أجناس وتمزقها أعراق، دعوة نقية أبية نزيهة بريئة لا تخضع لهيمنة الأشخاض والهيئات، مهمتها الأساسية كما حدد الإمام البنا في رسالة – (إلى أي شيء ندعو الناس؟) : «سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام وتعاليمه الصالحة التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس». إنها روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيُحيه بالقرآن.

هذه هي حقيقة دعوة الإخوان المسلمين، ودعوة بهذه الصفات لا يُوقف مدها أحد، وواهم وعاجز من يظن أن باستطاعته محاصرتها والقضاء عليها، وخاسر وخائب من لا يعتبر بسنن الله في الدعوات، فمن يحاول محاصرة دعوة الله، أو منعها من أن تصل للناس، كالبائس الذي يُريد أن يحجب ضوء الشمس عن الناس، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) الصف: 8. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا