حول قضية الفصل بين السياسي والدعوي

حول قضية الفصل بين السياسي والدعوي – بقلم: د. محمد عبد الرحمن المرسي

هذه المسألة: (فصل السياسي عن الدعوي)، ليست جديدة وإنما قديمة منذ أيام الإمام البنا وقد رد عليها في رسائله.
دائمًا المصطلحات التي فيها تعميم نتريث فيها ونبحث عن المقصود منها بدقة حتى لا تمثل زحلوقة لنا نخالف فيها مبادئنا.

من ناحية الفكرة والرسالة لا يوجد مطلقًا ما يسمى دعوي وسياسي كأمرين متفارقين
وإنما السياسة في نظرنا دعوة والمجال الدعوي يشمل كل الجوانب السياسية والاجتماعية وغيرها. فماذا يعنى هذا الفصل وذلك التقسيم؟

إذا كان كما يقول البعض أنه فصل وظيفي وبالتالي لا يصبح الكيان السياسي (حزبا كان أو غيره) ذراع من أذرع الجماعة وإنما كيان مستقل منفصل ينسق معها مثلما ينسق مع الآخرين إذا أراد. وبالتالي تنقسم الجماعة إلى أوصال وأجزاء، فهناك مجالات تريد الفصل أيضا مثل المجال الفني والرياضي مثلاً.

فأين تكون الجماعة اذن، (جماعة الإخوان المسلمون)؟
هل هي الجماعة السياسية التي يمثلها الحزب المستقل، أم الجمعية الخيرية، أم مجرد جماعة دعوية.
وهل الجماعة مجرد تاريخ وتنظير نظرى فقط (مدرسة فكرية) وليؤسس كل من يريد ما يراه ويقتنع فيه من عمل فيعمل في هذا المجال دون ذاك، وبالتالى فليس هناك صف واحد وقيادة واحدة وبيعة لها، وأهداف تعمل عليها؟

إن إنشاء كيانات وواجهات تتولى بدرجة كبيرة جزءا من خطة الجماعة وبرنامجها في مجال ما فهذا ليس فيه شيء، وتمثل تلك الكيانات أذرعًا للجماعة وليس أجزاء منفصلة ولها مرجعية واحدة ومنهج فكرى تنطلق منه وقيادة عليا ترسم المسارات وتحدد الاستراتيجيات وتحسم الخلافات … الخ،
فهناك الحزب كذراع سياسي، وهناك نشاط البر كجمعية للبر والخدمة العامة، وهناك النشاط الفني والرياضي … الخ.

فهذا أمر منطقي لا مانع له، ويتم تحديد مساحة المرجعية والالتزام بالجماعة، ومساحة التنسيق مع باقي كيانات ووحدات الجماعة، والمساحة التي تتحرك فيها بصورة مستقلة وهذا ما قام به مجلس الشورى في مصر عندما أسس الحزب كذراع سياسية له.

وإذا كان المقصود أن هذا على مستوى الأفراد، فهناك من يتم إعدادهم لكي يكون مجال عملهم النشاط السياسي، وآخرون في المجال الدعوي، أو الفني أو الرياضي … الخ، فهذا من باب التخصص وتوزيع الكفاءات، لكن يجمعهم فهم واحد وأهداف واحدة ومرجعية إلى قيادة عليا. وهذا لاشئ فيه وتم ممارسته منذ عهد الإمام البنا ولم يكن هناك هذا الشعار.

والإمام البنا إذا رجعنا إلى المبادئ التي أسس عليها منهجية الجماعة ودورها، أكد أن الجماعة ليست مجرد فكرة نظرية وإنما هي صف وقيادة، وأنها لا تنحصر في هيئة محدودة المقاصد والمجالات أو في نطاق جغرافي محدود، «أنتم لستم حزبا سياسيا ولا جمعية خيرية ولا هيئة موضعية محدودة الأغراض».

وأشار إلى الصبغة والراية التي تتسم بها الجماعة وأكد أنها صاحبة مشروع إسلامي متكامل،
وحدد الإمام البنا أهداف الجماعة ورسالتها، كما أوضح مراتب العمل التي تعمل فيها الجماعة وذلك في ركن العمل من أركان البيعة، بدءا من إعداد الفرد والبيت والمجتمع في مجلالته المختلفة وتحرير الوطن من كل سلطان أجنبي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، حتى المجال العالمي وأستاذية العالم، وهي مراتب وواجبات متكاملة ليس فيها انفصال، وتعمل عليها الجماعة بقيادتها وصفها جميعا.

وقد قال في المراتب الثلاث الأولي: هذا واجب كل فرد على حدة وواجب الجماعة كذلك
أما المراتب الأربعة الأخيرة، فهو واجب الجماعة والفرد يؤدي دوره كعضو فيها.
و قد حسم الإمام البنا هذه الأمر وأوضح هذه الشمولية في كلمات ملهمة جامعة: «إذا قيل لكم: إلامَ تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد ، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام». (رسالة بين الأمس واليوم).
إن الجماعة عندما تنشئ كيانًا أو واجهة من الواجهات، فإنها من منطلق مراعاتها للقوانين والنظم، تراعي القواعد القانونية التي تحكم هذا المجال، لكن يبقي لها المرجعية وأساس الالتزام الذي قام عليه التأسيس لهذا الكيان، ويبقي الالتزام بثوابت المنهج والانضباط برؤية الجماعة والالترام بمقتضيات البيعة التي بايع عليهاأعضاء الجماعة في أي مجال يعملون به.

ولكن قد يثار تساولات حول هذا الأمر بعد أن أثير الحديث حوله بصورة مفاجئة في الآونة الأخيرة، من قبيل: لماذا هذا الأمر الآن، هل لأن الدعاة لا يفهمون في السياسة؟، إذن على الجماعة أن تدرب وتعد فريقها السياسي، لكل مجال من يصلح له، ولكنهم جميعا جزء من الدعوة.

هل لان قيادة الجماعة ممثلة في مؤسستها الشورية والتنفيذية العليا عقليتهم محدودة، وهناك عقلية أخرى واسعة الفهم في المجال السياسي، وتريد أن تبتعد عن تلك القيود وتنطلق؟ إذن فهذا تفتيت للقيادة وانفصال عنها، والجماعة في القديم والحديث وفي مختلف البلدان وعلى تنوع المجالات لم تر أية غضاضة من وضع قواعد للمرجعية وضوابط تحكم العلاقات ولكن مع مراعاة أن هناك جسما واحدا يجمع كل تلك الكيانات ومرجعية واحدة.

أما على مستوى النشاط في المجتمع فأفراد الإخوان ووحداتهم الجغرافية والفنية هي القاعدة المجتمعية والتي تملأ أنشطه أنشطة الآليات المتخصصة ومنها الحزب، وتتحرك لنجاح مرشحيه وتحافظ على صورته في المجتمع لأنه جزء من جسم الجماعة وليس كيانا منفصلًا عنها.

قد يكون لبعض الأماكن خصوصية خاصة بهم، لكن عندما نتحدث عن دعوة الإخوان المسلمين وعن دعوتها ومبادئها التي أسسها الإمام البنا ومرجعيتها في رسائله وتوجيهاته، وعمله الدؤوب في إرساء أركانها، الذي لم يشهد مثل هذه الدعوى، الفصل بين الدعوي والسياسي بهذه المعاني التي يتم الحجيث عنها، ولم يكن لديها هذا الشعار الذي رفضه الإمام البنا بوضوح.

اترك تعليقا