حَسَن البنّا.. العَالِم المربي – بقلم: فضيلة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)
لقد كان حسن البنا واحداً من علماء كثيرين ظهروا في العصر الأخير، علماء لهم فقه جيد في الإسلام ودروس رائعة. بيد أن حسن البنا يمتاز عن أولئك بخاصة أتيحت له وحده ولم يرزق غيره منها إلا القليل، خاصة تأليف الرجال، والاستيلاء على أفئدتهم، وغرس علمه في شغاف قلوبهم، وأخذهم بآداب الإسلام في تلطف وإحسان ساحرين.
عندما كنا نتعلم في مدرسة حسن البنا كانت هذه الخلال تتقد في نظراته وفي كلماته، فتدع طابعها يمزج العلم بالعطف والتربية بالرغبة لا الكره، والفارق بين المعلم والمربي كالفارق بين الشركات التي تحضر العقاقير الطبية وتغمر بها الأسواق لمن شاء تناولها، وبين الطبيب الذي يشرف على مريضه ويتعرف ماعنده تعرف الخبير الماهر، ثم يسهر على معالجته حتى يبرأ، لا لأجر يرقبه بل ابتغاء وجه الله.
وما زلت أذكر أول درس سمعته من حسن البنا، كان ذلك من عشرين سنة تقريبا، وجلس المرشد المجاهد في مسجد عبد الرحمن بن هرمز بالإسكندرية يقرأ لنا الحديث المشهور: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، وكيف أن الجمل الثلاث التي تضمنها الحديث توضح صلة الإنسان بربه، وصلته بنفسه، وصلته بالناس. وكانت المعاني التي ساقها وهو يشرح تجدد حياة سامعيه، وتهيئهم لمستقبل أزكى، وكأنما كان يوقظهم – وهو ينساب في عظته الرقيقة – من سبات طويل.
وتركنا المرشد السائح في الإسكندرية ليتحدث إلى غيرنا في بلد آخر، لقد جاب الآفاق وهو يذكر بالله ويعرف بدينه، وأحسبه قضى تسعة أعشار عمره مسافراً، يضرب في مناكب الأرض لا يقصد من حله وترحاله إلا بعث أمة وإحياء تاريخ.
كان يرى أن التربية الإسلامية الصحيحة ضرورة لتكوين أجيال قوية أمينة، وأنه من الخير لمصر بل للعالم أجمع أن تتاح للدعاة الراشدين فرص واسعة؛ لتعهد الناشئة النابتة بما يجعلها تشب أنضر عوداً وأطيب ثمراً.
إن الحياة بتدين مريض كالحياة بلا دين، شر منكور محقور، ولا سبيل إلى إسعاد الأمم في معاشها ومعادها إلا بإيمان قوي وخلق سليم، أي بالإسلام من منابعة المصفاة وبرجاله الفاقهين.
—————————— المصدر: مقال (العالم المربي) للشيخ الغزالي بمجلة الدعوة، العدد (207) 22 جماد آخر 1374هـ 15 فبراير 1955م