إن اتباع الهوى داء عضال وسم فتاك، ينخر في القلب، فيُفسد النفس، ويُضيع الأجر، وإن أصاب هذا المرض قلب أحد الدعاة على طريق الدعوة (نعوذ بالله من ذلك) تكون الطامة عميمة والعاقبة وخيمة.
تعريف اتباع الهوى (لغة): هو ميل النفس إلى ماتحبه وترضاه. (شرعاً): هو ميل النفس إلى نيل شهوة تلائم طبعها، أو اتباع شبهة توافق عقلها.
وفي مواضع عدة من القرآن الكريم يحذرنا ربنا سبحانه وتعالى من اتباع الهوى وطاعة أصحاب الأهواء، من هذه الآيات: قوله عز وجل:﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].
وقوله سبحانه:﴿أَرَأيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43]، قال ابن عباس رضي الله عنه:«ما ذكرَ الله هوىً في القرآن إلا ذمّه». وقال الشعبي رحمه الله:«إنما سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار».
وأخطر ما يصيب قلب الداعية من الهوى (مرض الشهوات)، فتراه يسخر طاقاته وجهده من أجل نيل ما يرضى نفسه وهواها، كمنصب أو مال أو مكانة أو شهرة أو تصدر المجالس وحمل أفخم الألقاب، ومن الشهوة أيضا أن يشجعه شيطانه وهواه ليستغل إمكانات الدعوة للحصول على مبتغاه من أعراض الدنيا الزائلة وحطامها الفاني.
خطور اتباع الهوى على الفرد والجماعة: 1- اتباع الهوى يحجز الرحمة ويحول دون التوفيق: واتباع الهوء وسوء الطوية لا يتوقف وباله على صاحبه، ولكن أمثال هؤلاء قد يتسببوا في تثبيط الهمم والعزائم في الصف المسلم، فلا يزيدونه إلا خبالاً، وقد يكونوا سببًا في تأخر النصر وحاجزًا لنزول الرحمة وحائلًا دون التوفيق.
والامام حسن البنا يُؤكد على هذا المعنى فيقول: «إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم، وإخلاص قلوبهم، وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شىء وقفًا عليهما حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضى فأخرجوه من بينكم، فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق، وقد أعلم الله رسوله ﷺ بأن وجود قوم معروفين بسيماهم بين المؤمنين مثبط لهممهم فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا ولأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾[التوبة: 47-48].»(1)
2- اتباع الهوى باب واسع للضلال والانحراف عن طريق الحق: فقد أخبر ربنا سبحانه وتعالى أن اتباع الهوى يضل عن سبيله، ويؤدي إلى الانحراف عن سواء الصراط، قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾).
3- اتباع الهوى يطمس على العقل فيَمنع مِن حُسن الفهم ويبتعد بصاحبه عن صواب الفكر وحسن الإدراك: فاتباع الهوى يَطمِسُ نورَ العقل، ويُعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويُضلّ عن الطريق المستقيم، قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفًا أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ﴾ [محمد: 16]. وقال سبحانه: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [محمد: 14].
4- اتباع الهوى باب لكل رزيلة وحائل دون كل فضيلة: كم أوقع الهوَى صاحبه في رذائل، وكم فوّت من فضائل، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فيرى الحَسَن في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسَن، فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر والعِظة، فكلما ضعف نور الإيمان في القلب كلما كانت الغلبة للهوى.
5- اتباع الهوى طريق الضياع والهلاك: عَن أَنَس رضي الله عنه أَن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه». أخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
6- اتباع الهوى يبعد صاحبه عن الحق، ويجعله سبباً في تضليل الأخرين، وهذا جرم عظيم أن يكون المرء بهواه ضالًا عن الحق مُضلًا بالباطل: قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (المائدة: 77). وقال سبحانه: ﴿قلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ﴾ (الأنعام: 56). وقال عز وجل: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ (الأنعام: 119).
7- اتباع الهوى مانع من اتباع الحق والاستجابة لأهل الحق: فما منع كثيرًا من الأمم من اتباع الرسل والأنبياء إلا غلبة الهوى، قال تعالى: ﴿فإن لمْ يَسْتجيبُوا لكَ فاعْلمْ أَنَّمَا يَتَّبعُونَ أهْوَاءهُمْ وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص: 50). نسأل الله العفو والعافية.
————- (1)المصدر: رسالة الإمام البنا للشيخ محمد أمين الحسيني (مفتى فلسطين ورئيس المؤتمر الإسلامي) بمناسبة إنعقاد المؤتمر الاسلامي الأول، لدعم قضية فلسطين، 1931).