رجاء الندامة ونداء الحسرة

رجاء الندامة ونداء الحسرة د. محمد حامد عليوة
تأملت وتدبرت قول الله تبارك وتعالي:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾ المؤمنون، فوجدت حالة من الندم والحسرة ولكن بعد فوات الأوان، حسرة وندامة على ضياع العمر بعيداً عن الله، حسرة وندامة على الغفلة التي ضربت قلوبهم وأغشت أبصارهم عن هدي الله وطريق الله.

ومما استوقفني في هذه الآيات البليغات أن (صَالِحاً) جاءت بصيغة النكرة، بمعنى أن هؤلاء المفرطون يتمنون الرجوع لفعل أي عمل صالح وإن كان بسيطاً، رغم أنهم كانوا يمتلكون قبل هذه اللحظة الأوقات والإمكانات والطاقات، ولكنهم ضيعوها ولم يحسّنوا توظيفها، ولم يستعدوا لهذا الموقف العصيب.

فصاحب هذا الموقف الذي أتاه الموت يتمني أن يرجع ولو للحظات لفعل بعض الصالحات. ولكن الرد الحاسم الجازم لمثل هؤلاء المفرطين هو (كَلَّا)، فقد إنتهى الأمر وليس أمامك أيها الغافل الّلاهي إلا حياة البرزخ، تظل بها في ندم وحسرة إلى يوم يبعثون. حقاً إنه رجاء الندامة ونداء الحسرة، ولكن بعد فوات الأوان.!!

ومن جميل ما ورد في هؤلاء الغافلين، ما خطّه الإمام ابن الجوزي – رحمه الله – في صيد خواطره، حين قال: «فيبقى الإنسان خاطئًا على نفسه لا يدري ما يراد به، لا يؤثره عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يحمل، وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه كما قال الشاعر:
الناس في غفلة والموت يوقظهم .. وما يفيقون حتى ينفد العمر
يشيعون أهاليهم بجمعهم .. وينظرون إلى ما فيه قد قبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم .. كأنهم ما رأوا شيئًا ولا نظروا

وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات».
(1)

(1) صيد الخاطر، للإمام ابن الجوزي، فصل (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم)، والمقصود بالآلات هنا في قوله: (فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات)، هي نعم السمع والبصر، فإن السمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب، فيتدبر، ويعتبر.

اترك تعليقا