رسائل الإمام حسن البنا ودورها في بناء الشخصيّة الإخوانيّة – بقلم: الدكتور رامي ملحم(*)
تعدّ الرسائل من أهم الأدبيات التي كتبها الأستاذ حسن البنا -رحمه الله-؛ إذ بيّن فيها فكر جماعة الإخوان المسلمين، ونظرتها إلى العديد من الموضوعات، وموقفها إزاء الأحداث المختلفة، وذلك من خلال ثماني عشرة رسالة بما فيها رسالة المأثورات.
وللرسائل إسهامٌ مهم في تشكيل الشخصيّة الإخوانيّة؛ إذ قدّمت زاداً وتوجيهاً فكريّاً وتربويّاً ودعويّاً وإيمانيّاً للدعاة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ رسائل الأستاذ البنا ليست منهاج الإخوان المسلمين في الدعوة وإحداث التغيير؛ وإنّما هي المحتوى الفكري للمنهاج، كما أنّ أثر الرسائل على الشخصيّة الإخوانيّة ليس منفرداً أو مستقلاً، وإنما تشترك مع غيرها من الفواعل في التأثير على الشخصيّة الإخوانيّة.
وتعرّف الشخصيّة بأنّها مجموعة الصفات المستقرّة التي ينفرد بها الشخص؛ وتميّزه عن غيره. كما يعرفها ميتلر Mittlerبأنّها الصورة المنظمة المتكاملة لسلوك الفرد، التي تميّزه عن غيره؛ إنّها تشمل عاداته، وأفكاره، واتجاهاته واهتماماته، وأسلوبه في الحياة.
وللشخصيّة مكونات مختلفة من أبرزها: (المكوّن الانفعالي، والعقلي، والاجتماعي، والحركي). كما تعبّر الشخصيّة عن سمات مستقرة وليس حالاً متحرّكاً متغيراً نتيجة للمعطيات والظروف.
وتنظر أغلب النظريات في الإرشاد النفسي والتربوي نظرة خاصّة لدور السنوات الخمس الأولى في تشكيل السمات الأساسيّة للشخصية، تستثنى منها المدرسة السلوكيّة؛ التي تعتبر أن أثر هذه السنوات ليس مهماً، وأنّ الشخصية الإنسانيّة تتبع البيئة؛ وتتأثّر بها.
وسمات الشخصيّة يمكن تعديلها وتطويرها، كما ينظر للشخصيّة باعتبارها محركاً ومفسّراً للسلوك، وترى مدرسة العلاج السلوكي المعرفي أن السلوك ينتج عن المعتقدات والأفكار؛ كيف تفكر؟ .. كيف تسلك؟، وأنّ المعتقدات والأفكار تتأتى من الطفولة والأحداث المرسّبة، واستناداً لهذه المدرسة فإنّه سيكون للرسائل – والتي صاغت فكر أبناء الجماعة – أثر مهم في سلوكهم.
وأمّا أبرز الوظائف والأدوار التي قدمتها الرسائل للشخصية الإخوانيّة تتمثل في الجوانب التالية:
1-قدمت فهماً عملياً للإسلام؛ إذ نظرت الرسائل إليه من خلال معلمتي: النظاميّة والشموليّة. فالإسلام يعد نظام تتشابك عناصره على نحو كثيف ودائم، وإنّ كل عنصر ومكون فيه مرتبط بغيره؛ ولا ينفك عنه، وأن المخرجات ينظر إليها كمدخلات لغيرها. والشمولية هي النظرة للإسلام من خلال أنه يتناول جميع مظاهر الحياة، فهي جميعاً سواء بسواء.
وقد نظمت رسالة التعاليم هذه المظاهر في واحد وعشرين مظهراً؛ فالإسلام دولة، ووطن، وحكومة، وأمة، وخلق، وقوة، ورحمة، وعدالة، وثقافة، وقانون، وعلم، وقضاء، ومادة، وكسب، وغنى، وجهاد، ودعوة، وجيش، وفكرة، وعقيدة صادقة، وعبادة صحيحة.
2-وضحت الرسائل منهج الدعوة؛ ورسمت الطريق لإحداث التغيير المنشود في الإنسان والمجتمع والدولة، كما حددت رؤية الجماعة، وأهدافها، والوسائل الموصلة لذلك، والمراحل، والسياسات المتّبعة، والمُعيقات المتوقعة، كما تناولت البيئة وظروفها.
3-حددت الموقف من موضوعات ومصطلحات تهم الداعية؛ مثل: الأحزاب، والوطنيّة، والقوميّة، والحكم، واستخدام القوة في التغيير، والجهاد، والدول الأوروبية، والدستور، والثورة، والأقليّات، والنظام النيابي والرئاسي، والخلاف العقدي السائد في حينه، والأمّة.. وغيرها.
4-قدمت حلولاً واقتراحات تعنى بجوانب تواجه الحكّام، مثل: مكافحة الضرائب، ومحاربة الربا، والتقريب بين الطبقات في المجتمع، وصور تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي .. وغيرها.
5-وثقت الرسائل لفكر الجماعة، وغدت مرجعه، وسهلت على الدعاة التعرف إليه، كما ناقشت الشبهات التي تثار حول الدعوة وأهدافها.
6-قدمت وسائل عمليّة للعناية بالأخلاق والجوانب الإيمانيّة، وحثّت الداعية على العناية بتزكية نفسه، والارتقاء بروحه، ويمكن اعتبار ما أوردته رسالة التعاليم من واجبات للأخ الصادق، ومتن رسالة المأثورات، من أهم الأمثلة على ذلك.
7-دافعت الرسائل عن الإسلام، وردت الشبهات التي كانت تثار حوله، خصوصاً في قدرته على الحكم، وصلاحية أحكامه لكل زمانٍ ومكان.
8-شكلت الرسائل محتوى تربوياً وفكرياً ودعويّاً وإيمانيّاً للمحاضن التربوية في الأسر والكتائب، كما قدمت زاداً للمربين والمتربين على حدّ سواء.
9-ناقشت الخلاف العقدي السائد، وقدمت موقفاً منه، امتاز بالتناول العلمي والروح الدعويّة، ويعد الموقف معلماً من معالم التجديد التي قدمتها الجماعة للأمّة، في وقتٍ كانت محتلة من الغرب، وفي أضعف أحوالها الحضاريّة، وكان الدعاة – حينها – منشغلين بالخلافات الفرعيّة.
10-عززت الرسائل السلفيّة الحقّة عند الداعية، من خلال تأكيد الالتزام بمصادر التشريع، ومن خلال ما ورد في أصول الفهم العشرين.
11-تعد رسالة المأثورات زاداً إيمانيّاً يوميّاً للداعية، وأولت مكانة مرموقة لرابطة الإخوة، من خلال استحضار أسماء الإخوة والدعاء لهم، كما ربطت المأثورات الداعية بالله صباحاً ومساء، والذكر والدعاء من خير زاد الدعاة، وإنّ لآيتي سورة آل عمران 26 و27: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27))،اللتين يقرأهما الداعية كل صباح ومساء وفي مواعيده الدعويّة المختلفة بالغ الأثر في تثبيت معاني العقيدة في نفسه؛ فالملك بيد الله، والعزة من الله، والخير كله من الله، والأمر منه وإليه.
12-تعد الرسائل وسيلة دعوة للجماعة والإسلام؛ إذ كثيرون تعرفوا إلى الجماعة ومنهجها من خلال اطّلاعهم على الرسائل.
13-ناقشت الرسائل المستجدات التي كانت تعرض للدعوة؛ خصوصاً في رسائل دعوتنا في طور جديد، والمؤتمرين الخامس والسادس.
14-حضّت الرسائل الداعية على العلم، وأعلت من منزلته، كما دعت الداعية ليكون متّبعاً للدليل، متعرفاً إليه، ملمّاً به، وأمرته بالابتعاد عن التقليد. كما احترمت الرسائل الخلافات الفقهيّة، ولم تتبن مذهباً فقهيّاً بعينه.
15-اهتمت الرسائل بالمرأة والشباب والعلماء، وهذه مكونات أساسية في المجتمع، وكانت أدوارها مهمّشة. ولقد تمّت مخاطبتهم كشرائح مهمّة؛ ينظر دورها في تحقيق التغيير المنشود.
16-قدمت الرسائل تأريخاً لبعض الأحداث الداخليّة التي مرّت بها الجماعة، وللأحداث الخارجيّة التي شكلت معطيات البيئة آنذاك.
17-صاغت الرسائل فقه العمل الجماعي ومقوماته ومراحله، والذي هو أساس لإحداث التغيير في الأمّة.
18-أولت الرسائل اهتماماً خاصّاً بالقرآن الكريم، خصوصاً في أصول الفهم العشرين. وآتى هذا الاهتمام ثماره في ما تحققه الدعوة من جهود في المحافظة على القرآن الكريم وخدمته.
بالمجمل ؛ فإنّ رسائل الأستاذ حسن البنا – رحمه الله – قدمت للداعية زاداً فكريّاً وإيمانيّاً ودعويّاً وتنظيميّاً، ولقد عنت بصوغ شخصيّة إخوانيّة متوازنة وجامعة، ذات مكونات غنيّة.
————-
(*)من قيادات العمل الإسلامي بالأردن، وعضو مجلس الشوري والمكتب التنفيذي.