(رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)

(رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) – وقفة في ذكرى وفاة الوالد الكريم

في مثل هذا اليوم (الخميس 12-12- 1996) الموافق غرة شعبان 1417هـ، انتقل الوالد الفاضل الحاج حامد عبد الحميد عليوة إلى جوار ربه الكريم الرحيم، فبعد أن أكرمه الله سبحانه بأداء فريضة الصبح في المسجد أخذوه من المسجد إلى البيت وقد فاضت روحه إلى بارئها، ثم عاد من البيت إلى نفس المسجد لصلاة الجنازة مع صلاة الظهر ومنه إلى قبره.

توفاه الله في صباح يوم الخميس (دون مرض أو تعب)، بعد أن عاد مساء الأربعاء من القاهرة إلى المنصورة حيث كان يزور شقيقيه الأصغر منه وابنة أخيه الأكبر منه، المقيمين بالقاهرة، فقد مكث عندهم عدة أيام وعاد من عندهم ليلة وفاته، وكأن الله سبحانه قد ختم له بخير أن وفقه لصلة أرحامه.

ولقد عاش الرجل حياته كلها بسيطاً، رقيق الحال، طيب القلب، واصلاً لرحمه، يسامح من أساء إليه، ولا يحمل في قلبه غلًا ولا حقدًا لأحد، هكذا عهدته.
أذكر أنه كان دائمًا ما يردد هذا الدعاء باللهجة العامية (يارب أسترها ما تفضحهاش)، وكنت أسأل نفسي وأنا صغير، من هذه التي يدعو لها والدى دائماً بالستر؟ ولكن بعد ذلك كبرت وفهمت أنه يقصد بدعائه هذا (أن يستره الله في أحواله وعياله)، وهو ما أكرمنا الله به من (نعمة الستر) في حياة الوالد وبعد مماته، ولله الفضل والمنّة.

كان – رحمه الله – حريصًا على المسجد، فختم الله له بخير، فكانت أخر ساعة من عمره كانت في المسجد، بعد أن أدى فريضة الصبح. وكان دائماً ما يحثنا على صلاة المسجد قولاً ونرى ذلك في حياته فعلاً فكان سبباً -هو وأمي الحبيبة رحمها الله- في ارتباط الأبناء بالمسجد، ولله الفضل والمنة.

أسال الله سبحانه أن يجزيه عنا خير الجزاء، فقد كافح كثيرًاً من أجل تربيتنا وتعليمنا رغم قسوة الظروف وضيق العيش وقصر ذات اليد.
أسأل الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجمعه مع حبيبه المصطفى في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. كما أسأله سبحانه أن يمنَّ على والدي ووالدتي الحبيبة وسائر موتانا وموتى المسلمين بالرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النيران. اللهم آمين يا رب العالمين.

وما أدعو نفسي وإخواني إليه في هذا المقام ما يلي:
– أن من أكرمه الله فينا بوالدين (أحدهما أو كلاهما) من الأحياء، فليحسن إليهما ويتعبد إلى الله ببرهما، والتودد إليهما، وإسعادهما، وإدخال السرور على قلبيهما، والاستمتاع بخدمتهما ورعايتهما، فهي فرصة ثمينة ونعمة عظيمة لا يحس بها إلا من فقد والديه.

– أما من كان والداه من المنتقلين إلى رحمة الله، فيجب عليه ألا يمر عليه يوم إلا ويشملهما بدعائه، ويلتزم بما ورد في هذا الباب من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1- الدعاء لهما: عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم.
2- الأستغفار لهما: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: 28]. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41]. وفى الحديث: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» صحيح رواه أحمد في المسند. وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: «تُرفع للميت بعد موته درجته. فيقول: أي ربِّ! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدُك استغفرَ لك» حسن – رواه البخاري في الأدب المفرد.
3- صلة الرحم التى لا توصل إلا بهما: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» رواه مسلم.

وغير ذلك مما ورد فى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بر الوالدين بعد موتهما، كإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وغيرها من صور البر بالوالدين بعد الموت.
اللهم اغفر لوالدى، واغفر لأمي، وارحمهما كما ربياني صغيرا. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41].

اترك تعليقا