يسر موقع (زاد السائرين) أن ينشر هذه الرسالة القَيّمة فى التربية الإيمانية على طريق الدعوة، والتى صدرت فى مصر منتصف التسعينيات من القرن الماضى، تحت عنوان : (إيقاظ الإيمان)، وإليكم هذه الرسالة كاملة كما صدرت. (*)
إِيقَاظ الإيّمَان
أولًا: أهمية الإيمان للفرد والجماعة 1- إن الإيمان هو الأولوية الكبري في حياة المسلم، ويتصدر كل ما عداه من حظوظ النفس وضرورات الحياة والمال والأهل والولد، بحيث لو حدث تعارض بينه وبين شيء مما ذُكر رجحت كفته هو، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَأنَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَأنُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24). ألم تر إلى حديث الحارث بن مالك الأنصاري الذي رواه الطبراني، حين سأله رسول الله ﷺ:«كيف أصبحت يا حارثة»؟ قال: «أصبحت مؤمنًا حقًّا». فمن منا تخطر على باله مثل هذه الإجابة على مثل هذا السؤال؟ إلاَّ مَن استولت قضية الإيمان على قلبه واهتمامه، وهكذا يجب أن نكون بعون الله تعالى وتوفيقه.
2- الإيمان هو الأصل والأساس الذي ينبثق منه كل عمل وخلق وحال. أرأيت التلازم بين الإيمان والعمل في آيات القرآن الكريم مع سبق الإيمان دائمًا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. «فالإسلام علانية والإيمان في القلب»، و«التقوى ههنا. ويشير إلى قلبهﷺ»، ثم أليس في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب؟.
3- الإيمان سبب لأداء الأعمال بإتقان وإحسان ودقة وقوة، فمَن إذًا لقول رسول الله ﷺ: «إن الله كتب الإحسان على كلشيء» إن لم يكن المؤمن الصادق. ومَن أيضًا لقوله ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».
4- إنَّ الدعوة والحركة اللتين تنطلقان من الإيمان الحي اليقظ يسري فيهما سرٌّ رباني وروح لطيفة تجعل فيهما الأثر والثمرة والبركة على مستوى الفرد والمجتمع والواقع.
5- إن الإيمان هو خير معوان على تحمُّل لأواء الطريق ووعورته، وهو من أبرز الأسباب التي يتنزَّل على مثلها تثبيت الله – عز وجل – وتوفيقه وتأييده، وانظر إلى نداء الله لملائكته ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الأنفال: من الآية 12.
6- إنَّ الإيمان هو المَعِين الذي تخرج منه المواقف المبهرة، والبطولات النادرة، والتضحيات الغالية بالأنفس والأموال والأهلين، وفي سيرة النبي ﷺ وصحابته الكرام ما لا يُحصى من الشواهد على صدق هذه الحقيقة.
7- إنَّ الإيمان هو الخيط الذي ينتظِّم حبات عقد الأهداف البعيدة والمرحلية والغايات الكبرى والأقرب، وبه كذلك تترابط الأعمال التي تبدو متناثرةً متبعثرةً.
ثانيًا: أسباب ضعف الإيمان ومع كل هذه الأهمية لقضية الإيمان إلا أن الناظر العابر يلحظ ضعفَه وفتورَه؛ الأمر الذي لا يصح إغفاله وإهماله بحال، ولعلَّ من أسباب هذه الظاهرة ما يلي: 1- الانغماس في الشواغل الحياتية: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَأمِلُونَ﴾ المؤمنون: 63، ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ الفتح: 11، وقد قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن نفسه: «ألهاني الصفق في الأسواق»، فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2- إهمال أسباب زيادة الإيمان وانتعاشه: وقد قال الصحابة – رضوان الله عليهم -: «الإيمان يزيد وينقص»، فإذا ذكرنا الله – عز وجل – فهذه زيادته، وإذا نسينا وغفلنا فذلك نقصانه. وقالوا أيضًا: «إذا كنا معك يا رسول الله رقَّت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة. فإذا خرجنا من عندك وعافسنا الأزواج والأولاد والضيعات قسَت قلوبنا وكنا من أهل الدنيا».
3- كثرة الأعمال والتكليفات، مع تشابكها وتداخلها بما لا يسمح بالتقاط الأنفاس، وإعطاء حق القلب والروح.
4- بُعد هذه القضية المصيرية عن بؤرة الاهتمام القوي، والتركيز الشديد، والمتابعة الدقيقة لدى مستويات التوجيه المختلفة، واستشعار الاستعاضة عن ذلك بجانب الدعوة والحركة وهما فرع من ذاك الأصل.
5- كثرة اللقاءات الإدارية والتنفيذية، التي غالبًا ما تتَّسم بالجفاف، واختلاط الأصوات، وشيوع روح المراء والجدل.
ثالثًا: وسائل إيقاظ الإيمان (1) على مستوى الفرد: أ – التفكر في صفحات الوجود المشهودة: وهي عبادة جليلة ذات حظ عظيم، إلا أنها ضمرت واضمحلَّت، وكادت تُنسى في زحام الحياة، فليجعلْها الفرد في جدول المحاسبة؛ فإن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، كما قال الحسن البصري- رضي الله عنه – وذلك حتى تعود سيرتها الأولى في حياة السلف الصالح، فها هو أبو سليمان الدراني يقول: «إني لأخرج من منزلي لا يقع بصري على شيء إلا وجدت لله علىَّ فيه نعمة ولي فيه عبرة». ولأمرٍ ما كان من هدي النبي ﷺ في قيام الليل أن يقرأ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَأبِ﴾ آل عمران: 190، وقد قال عنها: “ويل لمن قرأها ولم يتدبرفيها”
ب – التفكر في كتاب الله تعالى: امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ محمد: 24، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ القمر: 17، وما أطال عبدٌ النظرَ في كتاب الله، وأعملَ الفكرَ إلا سرَت أسراره ولطائفه في قلبه؛ حتى يجد فيه صدى موجها وتناغم رنينها، وهنا. وهنا فقط يعرف العبد معنى حياة القلوب. ولقد قام النبي ﷺ ليلَةً بآية يرددها، وهي: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ المائدة: 118.
ج - التفكر في نعم الله علينا: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَأنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ إبراهيم: 34؛ وذلك حتى يستشعر القلب فضله – عز وجل – ومنته، ويستشعر العبد مع ذلك أيضًا تقصيره وغفلته؛ فيستيقظ وينهض، وأقل هذه النعم هو ما يراه كثير من الناس من حظوظ النفس ومتاع الدنيا، من منصب وجاه ومال وولد وطعام وشراب وملبس ومركب وزينة، أما أجر هذه النعم فتتمثل في الإيمان بالله – عز وجل – ومعرفته، والتوفيق إلى طاعته، واتباع نبيه ﷺ.
د – التفكر في سنن الله في خلقه، وتقلُّب أحوال العباد بين العطاء والمنع، والتقدم والتأخر، والرفع والخفض، والعز والذل، والقوة والضعف، ومحاولة الوقوف على أسباب هذا، والاستفادة منها وتطويعها، وتجنب مصادمتها.
هـ – الاستكثار من العبادات المحضة: مع المواظبة عليها وأدائها بخشوع وحضور قلب، وشهود عقل؛ حتى نسبر أغوارها، ونعرف أسرارها، ومن ثمَّ نجني ثمارها ونجد آثارها، ومن هذه العبادات الصلاة المكتوبة في المسجد في أول الوقت، والنوافل، وخصوصًا قيام الليل، وقراءة القرآن، وذكر الله – عز وجل – وصيام الهواجر.
و – مصارعة الباطل بالحق: فهذا دليل على تمكن الحق من قلب العبد واعتزازه به، وحرصه على إقامته، ثم إذا شاهد جحافل المبطلين بخيلهم وخُيلائهم علم أن لا ملجأَ له إلا إلى الله – عز وجل – فازداد توكلًا عليه، وثقةً به، ويقينًا في نصره، ومن ثم يزداد إيمانه في قلبه، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَأخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَأنًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران: 173، ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَأبَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَأنًا وَتَسْلِيمًا﴾ الأحزاب: 22
(2) على مستوى الدعوة أ - الارتقاء بمستوى الأسرة التربوية: وإعادة سيرتها الأولى؛ باعتبارها محضن التربية الدائم الذي يتعهد الفرد في جوانبه المختلفة، ومنها جانب الإيمان الحيوي الذي نحن بصدده، وهنا يمكن اتباع ما يلي: – – قراءة ما تيسر من القرآن، مع التدبر العميق وتبادل المعاني والخواطر. – قراءة ورد ذكر بصورة جماعية مع مراعاة الخشوع. – صلاة نافلة في جماعة مع انتداب الأندى صوتًا والأرقَّ قلبًا. – الحفاوة بكتب التزكية والرقائق والتواصي بالالتزام بما فيها. – حسن إعداد كلمة مربي الأسرة بما يخدم هدف إيقاظ الإيمان الذي ننشده هنا. – مبيت أفراد الأسرة ليلة شهريًّا على الأقل، مع إحيائها بالذكر والاستغفار والقرآن والقيام. – صلاة الفجر معًا مرة أسبوعيًّا، ثم قراءة الوظيفة الكبرى بعدها. – زيارة القبور معًا للاتعاظ والاعتبار وتجديد العهد وصقل القلب. – القيام بأنواع الرحلات التربوية المختلفة: (حقلية – نيلية – قمرية – صحراوية – بالدراجات. إلخ)، مع جعل التفكر فقرةً ثابتةً فيها. – التهادي بين أفرادها الأسرة بمعنى أو خاطرة أو موقف من السيرة أو حياة الصحابة أو الصالحين قديمًا وحديثًا، على أن يكون المحتوى في خدمة هدف إيقاظ الإيمان.
ب - الارتقاء بمستوى مربى الأسرة في جوانبه الأربعة، والدًا، وشيخًا، وأستاذًا، وقائدًا، ولأنه شيخ بالتربية الروحية فعليه أن يتعهَّد حالة الإيمان في قلوب مريديه، ويوظف عليهم الوظائف، ويكلفهم بالأعمال، ويوصيهم بالعبادات المختلفة، ويعد جدول محاسبة يركز كل فترة معينة على بعض الجوانب مع حسن المتابعة. والله المستعان
ج - الرجوع بالليلة الإيمانية الشهرية إلى سالف عهدها ومجدها: فهي مناسبة تحلِّق فيها الأرواح، وترتبط القلوب، وتمتزج النفوس، وتنسكب الدموع في أجواء التأثر والخشوع. ولا مكان هنا للقضايا الفكرية والسياسية والإدارية.
د – التركيز على الجانب الإيماني والروحي في المخيَّمات التربوية، ومراعاة ما يحقق هذا في البرامج التفصيلية اليومية. هـ – بدء اللقاءات الإدارية دائمًا بفقرة إيمانية لا تقل عن ثلث ساعة، تُملأ بمثل ما يلي: – – ورد استماع قرآني مع التدبر واستخراج المعاني والخواطر. – كلمة مُعدَّة هادفة من مسئول اللقاء أو ممن يكلفه. – تبادل الهدايا من المعاني المستفادة من القراءة أو الاستماع، أو السفر، أو المشاهدة، ويمكن تحديد عنوان موضوعي مسبق حتى يصب في إنائه الزاد المقدم. – صفة من صفات التحلية نتذاكرها ونتواصى بها. – صفة من صفات التخلية لنستبرئ منها. – عبادة من العبادات نبين فضلها، ونراجع حالنا معها، ونتدارك تقصيرنا فيها.
و – احتلال قضية الإيمان للمواقع المتقدمة في قائمة اهتمامات المستويات الإدارية ز- التخفف قدرالإمكان من التعقيدات الهيكلية؛ لتخفيف اللقاءات الإدارية والتنفيذية تبعًا لذلك، الأمر الذي يعين على مزيدٍ من التركيز والاهتمام بجانب الإيمان.
ح – إذكاء روح الأخوَّة والتكافل؛ للمساهمة في التغلب على الظروف المعيشية القاسية، والتي تمثل عقبةً كؤودَا في وجه ازدهار الإيمان. ثم إن بند الإيمان هو الأول دائمًا في نص عقد الأخوَّة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات: 10، «المؤمن مرآة أخيه»، «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير»، «الصديق الصدوق مَن إذا نسيت ذكرك، وإذا ذكرت أعانك». والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
————————-
(*) رسالة(إيقاظ الإيمان)، رسالة داخلية أصدرها قسم التربية المركزي، بجماعة الإخوان المسلمين، بمصر، فى شعبان 1417هـ، ديسمبر 1996م. وحتى تعمل الفائدة منها، فقد صدرت مع بعض الرسائل التربوية الأخري، فى كُتيب صغير، بعنوان، (زاد السائرين لرب العالمين) ج1 – ونشرته دار التوزيع والنشر الإسلامية – بالقاهرة.
Share
0 Comments to “رِسَائل تربوية: (رسالة إِيقَاظ الإيّمَان)”
أبو إقبال
جزاكم الله خيرا وبارك الله جهدكم
zadussaerin
جزاكم الله عنا خيرا، وبارك فيكم. دعواتكم