سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان

سيذهب الطغيان ويبقى الإخوانبقلم: د. محمد حامد عليوة

إن دعوة الحق والقوة والحرية، دعوة إسلامية أصيلة، دعوة قيم ومبادئ، تستمد قوتها من منهجها الرباني، ومعينها القرآني، وهديّ نبيها النوراني، وبالتالى ستبقى – بمشيئة الله – حية قوية، مهما مكر بها الماكرون، ووقف في طريقها الطغاة والمجرمون، في كل عصر ومصر.

نكتب هذا الكلام ونحن نتذكرالمقولة الكريمة: (سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان) في اليوم الذي يظن فيه الباطل أنه تمكن من مصر وأهلها، وتولى عرشها الذي اغتصبه من رئيسها الشرعي، وحنث قسمه وأخلف وعده وغدر بمن استأمنه.

نتذكرها والحرب تدور رحاها على الدعوة – قيادتها وشبابها وحرائرها ومنهجها ومؤسساتها وتاريخها. إلخ – للنيل منها وتشويه صورتها وإلصاق التهم الكاذبة بها.
نتذكرها والباطل مزهوّ بانتصاراته المزيفة، وسلطانه الهش القائم على القهر والقتل، وبانتفاشته الخاوية القائمة على الخداع والغش.

نتذكرها وكلنا يقين في وعد الله الصادق (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الكهف:98، أن هذه الدعوة الأبية الطاهرة النقية لا تزيدها المحن إلا قوة وثباتاً. وأن الله سيظهرها وينصرها على قوى الشر والطغيان مهما أوتوا من قوة وسلطان.

سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان
يقول الأستاذ الشهيد سيد قطب: «وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان كان الوقت قد فات. كان البناء الذى أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم وتعمق على الاجتثاث. كان قد استحال فكرة لا يهدمها الحديد والنار، فالحديد والنار لم يهدما فكرة فى يوم من الأيام. واستعلت عبقرية البناء على الطغاة والأقزام. فذهب الطغيان وبقي الإخوان.»(1)

وبالنظر فيما ذكره الشهيد سيد قطب رحمه الله: (سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان)، نقرأ فيه اليقين الصادق بوعد الله بنصر دعوته والتمكين لأوليائه، وهلاك الطغاة المتجبرين من أعدائه.
لقد صدع بها – رحمه الله – قبل أن يرى بعينيه هلاك الطغاة الذين أذاقوه وإخوانه ألوان العذاب.

إنها النظرات العميقة في كتاب الله، هذا الكتاب الخالد الذي نرى آياته المحكمات تتحدث عن هلاك الظالمين ومصارع الطغاة ونصر المؤمنين والدعاة بصيغة الماضي، وهو تأكيدًا على وقوعها وثبوتها لا محالة (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)). الصافات.

فاطمئنوا أيها الأحبة، فلن يفلت الطغاة من وعد الله، ولن يفروا من عقاب الله العاجل أو الآجل، فهم في قبضة الجبار، الذي يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. فأين من وقفوا في وجه دعوته من الظالمين؟ وأين من تكبر على أوليائه من الطغاة والمجرمين؟ (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَأمٍ) (إبراهيم:47). ولله الأمر من قبل ومن بعد.

القرآن يبصرنا بعاقبة الظالمين
أخي الحبيب: وأنت تقرأ قول الله تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)﴾ سورة القصص. تأمل الترتيب والتعقيب والسرعة في قوله تعالى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ)، (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ)إنها حقائق القرآن الدامغة، فمهما علا الباطل واستكبر هو وجنوده، فسيأخذهم الله جميعًا أخذ عزيز مقتدر، والواجب على أهل الحق ألا ينشغلوا بمتى وكيف يأخذهم؟ فهي عاقبة كل ظالم متكبر جبار، ولكن ينشغلوا بـ (رعاية النفس، وبذل الجهد، والثبات على الأمر، وصُحبة أهل الحق).

والتوصيف الدقيق لحال أبناء هذه الدعوة مع المحن والشدائد، وأمام قوى البغي والعدوان، ما ذكره الإمام حسن البنا بقوله:
«ولكنها – أي المحن والعقبات – تمر بكم مرًا رفيقًا رقيقًا، يُقوي ولا يُضعف، ويُثبت ولا يُزعزع، ويُنبه ولا يُوهن، ويزيدكم بنصر الله إيمانًا وبرعايته ثقة؛ لأنكم بكلمته تنطقون، ولدعوته تعملون، فأنتم لذلك على عينه تُصنعون (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك فَإِنَّك بِأَعْيُنِنَا) الطور 48. ومن هنا كان واجبكم أكبر الواجبات، وكانت تبعاتكم أثقل التبعات.»(2) 

وفى التاريخ العبرة
والتاريخ يثبت ذلك ويؤكده، فلم يقف طاغية في وجه هذه الدعوة بغير حق إلا أذله الله، وقصم ظهره، ورأى الناس فيه العبرة، وبقيت الدعوة وذهب من طغى عليها، وإليكم هذه المشاهد والوقائع التاريخية وما آلت إليها الأمور فيها:

1- ففي عام 1949 قتلوا الشيخ حسن البنا، ووقفوا أمام دعوة الله، وبعد أقل من 3 سنوات زال ملك فاروق في 1952، وخرج من مصر صاغرًا ذليلًا، وبقيت دعوة الإخوان.

2- وفي عام 1954 اعتقل جمال عبد الناصر الآلاف من الدعاة والمصلحين، وأعدم الشيوخ والعلماء، وظن أنه قد قضى على الدعوة، بتشريد أبناءها في الداخل والخارج، فخرج من فرّ منهم بدينه خارج البلاد يعمل لدعوته وينشرها، وفي الداخل ثبت من ثبته الله منهم في سجون الظلم والطغيان. فنزل بمصر العدوان الثلاثى 1956، الذى أوشك أن يضع قدم الأعداء على أرض القناة، فزالت الغمة والطغيان وبقيت وانتشرت دعوة الإخوان.

3- وفي عام 1965 اعتقل جمال عبد الناصر الآلاف، وأعاد اعتقال من سبق اعتقاله في 1954، وقدّم الشرفاء إلى أعواد المشانق وفي مقدمتهم الشيخ سيد قطب، وتبارى زبانيته في تعذيب الدعاة والمصلحين والعلماء، فكانت نكسة 1967، وبعدها بسنوات يهلك الطاغية عبد الناصر 1970، ويبدأ انتقام الله من زبانيته، ويقدم بعضهم للمحاكمات بتهم الخيانة تارة وتهم التعذيب في المعتقلات تارة، ويرى الدعاة جلاديهم وقد دخلوا السجون وأذاقهم الله بعضا مما أذاقوه لعباده.

4- ومع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى كانت الدعوة قد امتدت وانتشرت في المدن والقري، وتمددت في الساحات الطلابية والنقابية والعمالية والنيابية، وبدأ النظام الحاكم في سياسة التحجيم وتجفيف المنابع – رغم أنه قبل ذلك لم يتوقف عن الملاحقة والتضييق – ولكن وبالتحديد من بدايات عقد التسعينيات بدأت الملاحقات لأبناء الدعوة ومحاصرة أنشطتها والتضييق عليها في النقابات والجامعات، ووصل الأمر ذروته في 1995 بتقديم قيادات الجماعة للمحاكمات العسكرية، والتضييق على مرشحيها في كل الاستحقاقات الانتخابية لمدة 10 عاماً، وقد بلغ الظلم ذروته حين شارك نظام حسني مبارك في حصار أهل غزة الشرفاء، ولم يغيثهم تحت قصف اليهود، واستمر في ظلمه حينما زور نظامه إرادة الأمة في انتخابات البرلمان 2010 وبشكل فج وفاضح، وكان من نتيجة ذلك كله أن سقط عرشه وزال ملكه في ثورة يناير 2011، وبقيت دعوة الإخوان المسلمين. وهكذا.

وختاما: أبشروا أيها الأحبة، وعلقوا القلوب بمولاكم، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، وتيقنوا من وعد الله بنصر أولياءه وفضح أعداءه، فبعد البغي والطغيان يأتى الخزي والخسران. وإن شاء الله سيبقى الإخوان ويذهب الطغيان، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف:21.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

—————————-
(1) حسن البنا وعبقرية البناء، للأستاذ سيد قطب، سلسلة دراسات إسلامية، ص 224.
(2) مجموعة رسائل الإمام البنا، رسالة (مؤتمر رؤساء المناطق والشُعب) 1945م.

0 Comments to “سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان”

  • فاروق ابراهيم

    بارك الله فيك ونفع بك وبعلمك الاستاذ والمربي الفاضل الاستاذ محمد حامد عليوة. نعم فالأخوان المسلمون واثفون بنصر الله مطمئنون إلى تأييده ووعده :
    ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ‘ يعبدونني لايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) .
    ويقولون متى هو ‘ قل عسى أن يكون قريبا.

اترك تعليقا