عامان في الميزان

عامان في الميزان
عام مضى .. وعام في ضمير الغيب – بقلم: الإمام حسن البنا – رحمه الله‏‏

أحببت لأول العهد بهذه الصحيفة أن أتحدث إلى الإخوان المسلمين حديثًا موجزًا ‏كل الإيجاز عن دعوتهم في عام مضى وعام في ضمير الغيب لم يمضِ فيه إلا ليال قلائل، فلعل في هذا الحديث ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.

يريد الإخوان المسلمون من الناس في مصر المسلمة وفي غيرها من بلدان العالم الاسلامى أن يكونوا مسلمين حقًا، يفكرون كما رسم لهم الإسلام، ويعملون بما أمرهم به الإسلام، ويتركون ما نهاهم عنه الإسلام، وينظمون شئون حياتهم على القواعد التي وضعها الإسلام وبينها كتاب الله وتناولتها السُـنة الصحيحة.

يريد الإخوان المسلمون: الفرد المسلم الذي تتجلى في اتجاهاته وأعماله صورة الإسلام الصحيح، والشعب المسلم الذي تسود مجتمعاته آداب الإسلام الصحيح، والحكومة المسلمة التي تقوم على أمر الله، فتحق الحق وتبطل الباطل ولو كره المجرمون.
‏هذه هي دعوة الإخوان المسلمين كاملة: رجوع بالناس إلى هدى الإسلام، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم. ووسيلة الإخوان في ذلك:

* (القدوة أولاً): فهم لا بدَّ أن يأخذوا أنفسهم بتعاليم الإسلام وأن تسود هذه التعاليم كل وسط لهم عليه سلطان،

* (والدعــوة ثانيًا): فهم يرفعـون الصوت بهذه التعـاليم في كل مكان،

* (والقـوة ثالثًا): قوة الإيمان، وقوة الإخاء، وقوة العمل المنتج، الذي لا يقف في سبيله شيء مهما كان.

ولا ‏يجهل الإخوان المسلمون ما أمام دعوتهم من عقبات فهم يعلمون تمام العلم أنهم سيواجهون صعابًا قاسية في سبيل دعوة الحق تختلف إشكالها وألوانها ومصادرها ومواردها ولكنهم بايعوا الله على الجهاد والاحتمال.
هم يعلمون تمام العلم أن هناك صعابًا ‏سيقيمها كثير من المسلمين أنفسهم – بل المتمسكين منهم ببعض تعاليم الإسلام – لأنهم يجهلون هذا المعنى الجديد بل التليد من معاني الإسلام الحق، أو لأنهم يرون في هذه الدعوة حائلًا دون المطامع والأهواء، وكثير منهم إنما يعيش بالمطامع والأهواء، أو لأنهم جمدوا على ناحية من نواحي الفكرة الإسلامية فلم يروا غيرها شيئا مذكورًا، بل رأوا أن كل مناداة بغيرها من أركان الإسلام صرف للناس عنها وانتقاص منها، وقد عاهدوا الله أن ينصروها ولا ‏يكون ذلك في رأيهم إلا بالوقوف في وجه كل دعوة سواها، وإن كانت في حقيقة الأمر قوة لدعوتهم وتأييدًا لفكرتهم ولكنهم لا يعلمون.

يعلم الإخوان هذا، ويعلمون أن صعابًا أخرى ستقيمها الهيئات المدنية التي لم تؤمن بعد بقضية الإسلام من رسمية وشعبية، سياسية أو غير سياسية، إما اخلاصًا خاطئًا لمبادئ لا تسمن ولا تغني من جوع، وإما حرصًا على وجاهة المناصب وموارد الجاه.

ويعلم الإخوان كذلك أن صعابًا من نوع ثالث سيقيمها في وجههم خصوم الإسلام في داخل بلاده وخارج هذه البلاد، ومما يبكي ويؤلم أن يكون هؤلاء الخصوم أعرف بنا وأيقظ لنا وأكثر وقوفًا على خطواتنا من كثير ممن يعاشرننا ويخالطوننا ويعيشون معنا، وبديهي أن يضع هؤلاء الخصوم في طريق كل عامل ناجح للإسلام ألف عقبة وعقبة، وألا يتركوه هادئًا إلا بقدر ما يشغلهم عنه ما هو أهم في نظرهم منه.

ويعلم الإخوان مبلغ قوة كل هذه النواحي التي يواجهونها في دعوتهم هذه، وما تملك من جاه ونفوذ وسلطة ومال، ولكنهم مع ذلك كله يستمدون نجاحهم وينعشون أملهم بالاستناد إلى الله الذي تكفل بنصرة المؤمنين وتأييد المحسنين، فالإخوان يعتمدون على الله في كل شأنهم، ويرون في معونته تبارك وتعالى إياهم، وفي طهارة أنفسهم من المطامع والأهواء أيا كانت فهم لفكرتهم وحدها يعيشون، وفي سبيلها وحدها يجاهدون، ثم في صبرهم على غضاضة الجهاد، بل استرواحهم إلى ما في الجهاد من ألم ومشقة يستعذبون ذلك، ويرونه السبيل إلى النصر في الدنيا والفوز في الآخرة، يري الإخوان في كل هذه المشاعر ما يكفل لهم الطمأنينة التامة حتى يؤدوا رســالتهم كاملة ويمضوا بواجبهم غير منقوص. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وإذا ماذا علينا أن نعمل؟ وكيف نواجه عامنا هذا الجديد المثقل بالتبعات والظروف والمفاجآت؟

أيها الإخوان: إن الخطوة الأولى من خطواتنا صلاح النفس. فهل اطمأننا على صلاح أنفسنا؟ أنفسكم أولا أيها الإخوان، (إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا). فحاسبوا أنفسكم لتعلموا أين هي من التمسك بمبادئ الحق والقوة والسلام.

هل أنت مؤد للفرائض كاملة؟

هل أنت بعيد عن المعصية والمنكر؟

هل تحب الخير وتعمله؟ ماذا قدمت من أنواع الخير. لنفسك أو للناس؟

هل أنت مستعد للعمل في سبيل فكرتك، فجسمك صحيح وفكرك صحيح ووجدانك طاهر سليم؟

هل حاولت أن تبث فكرتك في المحيط الذي يتصل بك؟ وهل آمن بدعوتك إليها واحد أو أكثر من أصدقائك؟

بمثل هذه الأسئلة يجب أن يحاسب الأخ المسلم نفسه أولًا حتى يتأكد أين هو من طريق الإخوان ثم المجتمع بعد ذلك، وهذه ليست مهمتكم وحدكم ولكنها مهمة المكتب العام معكم ومهمة الهيئات الإدارية للإخوان قبل أن تكون مهمة الأفراد.

ماذا قدمت هيئة الإخوان من الخير لمن يحيط بها من الناس؟ وكم من فرد أقنعتهم بالدعوة وثقفتهم بمبادئها وتعاليمها؟ وكم مشروعًا من مشروعات الخير نجح على يديها؟ وبمثل هذه الأسئلة نريد أن تزن هيئات الإخوان وسائل جهادها ونواحي عملها.

ثم النظام العام بعد ذلك كله، وهذه مهمتنا مجتمعين ومعنا كل مسلم يؤمن بالله ورسوله، فعلينا أن نسأل أنفسنا دائمًا في التغيرات الجديدة التي حدثت في نظام حياتنا العام، فقربنا بها أو بعدنا عما رسمه الإسلام، فإن رأينا أننا نقرب ولو قربًا ضئيلًا فهو النجاح بعينه، وإن رأينا أننا ننحرف انحرافًا يسيرًا فهو الإخفاق بعينه، وعلينا أذن ألاَّ يبعث النجاح في أنفسنا القناعة والخمود، فإن الطريق طويلة والمسالك متشعبة، وألا يبعث الإخفاق في أنفسنا اليأس والقنوط، فإن رحمة الله قريب من المحسنين،

بل واجبنا دائمًا أن نستمد من النجاح قوة تدفعنا إلى الأمام، ومن الإخفاق درسًا يدعونا إلى مضاعفة الجهود، هذا هو المقياس الذي أحببت أن أضعه بين يديكم أيها الإخوان في عامكم الجديد لتظلوا دائمًا إلى الأمام.

————————-
المصدر: مقال للإمام حسن البنا، نُشر فى مجلة التعارف، العدد (3)، السنة الخامسة، 23 من المحرم 1359هـ – الموافق 2 مارس 1940م.

اترك تعليقا