عجباً لأمر هذه الدعوة!! – بقلم: د. محمد حامد عليوة
عجباً لأمر هذه الدعوة !!، تمكر بها وتعاديها – قديماً وحديثاً – كل قوى البغي والعدوان في الأرض، إما لوقف مدها، أو تفتيت صفها، أو تشويه نهجها، أو تحريف سيرها، أو صرف الناس عنها وتخويفهم منها، كل هذا الكيد بهدف الإجهاز عليها والخلاص منها.
ورغم هذا كله ظلت الدعوة – في معية ربها – تواجه هذا الكيد الغاشم بمواصلة العمل تحت كل الظروف، تنمو وتتمدد في الضيق و المِحنة كما هو في السعة المنحة، تتجاوز آلامها، وتعلوا فوق جراحاتها، دون تفريط فى ثوابتها أو انحراف عن خطها، لأنها تعرف رسالتها وغايتها.
تتعاقب عليها الممالك والعروش والزعامات التي وقفت في طريقها، وهي باقية بقاء الحق الذى تحمله وتدعو إليه.
عجباً لأمر هذه الدعوة المجاهدة العظيمة، التي قدم ويقدم قادتها وخيرة أبنائها أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية، نُصرة لدينهم وفداءً لدعوتهم وكرامة شعوبهم وحرية أمتهم.
فلا عجب إذاً من هذه الحالة التي أوجزها صاحب الظلال، الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – حين قال: «سيذهب الطغيان، ويبقى الإخوان».
وبالنظر فيما ذكره الشهيد سيد قطب: (سيذهب الطغيان ويبقى الإخوان)، نقرأ فيه اليقين الصادق بوعد الله بنصر دعوته والتمكين لأوليائه، وهلاك الطغاة المتجبرين من أعدائه. لقد صدع بها – رحمه الله – قبل أن يرى بعينيه هلاك الطغاة الذين أذاقوه وإخوانه ألوان العذاب.
إنها النظرات العميقة في كتاب الله، هذا الكتاب الخالد الذي نرى آياته المحكمات تتحدث عن هلاك الظالمين ومصارع الطغاة ونصر المؤمنين والدعاة بصيغة الماضي، وهو تأكيدًا على وقوعها وثبوتها لا محالة (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)). الصافات.
قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) سورة الصف. ثقوا في حفظ الله لدينه ودعوته، وثقوا في إرادة الله الغالبة المهيمنة على إرادة البشر. فقد حارب جمال عبد الناصر الدعوة فغيب في السجون الآلاف من أبنائها وفر البعض بدينه ودعوته خارج مصر، فحافظ من سُجن منهم على دعوتهم وثبتوا رغم هول المحنة، ورسخت الدعوة في نفوسهم، فلما زالت المحنة انتشروا بالدعوة في مجتمعاتهم، وفتح الله لهم البلاد وقلوب العباد.
أما من عافاه الله منهم ولم يدخلوا سجون عبد الناصر، وفروا بدينهم خارج مصر، فقد حملوا دعوتهم وانتشروا بها في أصقاع الأرض، ووطنوها وركزوها في محل هجرتهم. وانتشر نور الدعوة في الشرق والغرب رغم كيد عبد الناصر ومن على شاكلته، ذهب عبد الناصر وخاب الطغيان، وانتشرت الدعوة وبقي الإخوان. فما أشبه الليلة بالبارحة، فأبشروا.
وإن دعوة كهذه لن تموت، وستمضي في طريقها بإذن ربها، رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين وتقاعس المتخاذلين.
بُشرى من موقف لا يُنسى(*)
بعد الإنقلاب الغاشم في مصر (3 يوليو 2013م)، وما تبعه من قتل واعتقال للدعاة والمصلحين، قابلني أحد رواد المسجد المجاور، وهو رجل ماليزي بسيط ومُسن (أحسبه من الصالحين ولا أزكيه على ربه)، وسألني عن أحكام الإعدام التي صدرت بمصر مؤخراً بحق بعض الدعاة والمصلحين.
فقلت له: حسبنا الله ونعم الوكيل في الظالمين، فقال الرجل: -بلغةعربية بسيطة- هؤلاء جاهلون لا يقرؤون التاريخ جيداً ولا يعتبرون، فقلت له: كيف؟ فقال الرجل:
– عام 1949م قتلوا الشيخ حسن البنا وبعد 3 سنوات زال مُلك فاروق في 1952.
– عام 1954م اعتقل عبد الناصر الآلاف وأعدم الشيوخ فكان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
– عام 1965م اعتقل عبد الناصر الآلاف وأعدم الشيخ سيد قطب وبعض رفاقه، فكانت الهزيمة في 1967.
– عام 2009م حاصر حسني مبارك غزة وتركها تحت قصف اليهود، فشاء الله أن يسقط حكمه في 2011.
فتعجبت من هذا الرجل البسيط الذى يُحسن قراءة التاريخ، وزاد عجبي من متابعته للأحداث رغم أنه في أقصى الأرض، وقلت في نفسي: (عجباً لأمر هذه الدعوة..!!)، يحاربها الفاسدون الظالمون، وينشغل بها ويسأل عنها الصالحون في أصقاع الأرض.
فاستبشرت بأن هذه الدعوة ستنتصر، وأن هذا الظلم سينتهي إن شاء الله. والعاقبة للمتقين.
———————— (*) كان هذا الموقف بعد صلاة العصر يوم 2 أبريل 2014م.