عُدة وعَتاد

عدة وعتاد – (قدرات ينبغي أن تتوفر فيمن يتحرك بدعوة الله بين الناس)

توفرت في رسول الله ﷺ جملة الأخلاق الحسنة وأثنى عليه القرآن الكريم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم: 4
فكان ما كان من لين رسول الله ﷺ رحمة من الله
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.) آل عمران: 159.

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: «فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، والى رعاية فائقة، والى بشاشة سمحة، والى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.
في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمِّة، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا وهكذا كان قلب رسول الله ﷺ». في ظلال القرآن

وفضلا عن جملة الأخلاق الحسنة التي دعانا إليها الإسلام والتي تعتبر من الثوابت التي لا يستغني عنها داع إلى الله، فإننا نورد فيما يلي بعضا من القدرات التي ينبغي أن تتوفر فيمن يتحرك بدعوة الله بين الناس: –
(1) القدرة على مخالطة الناس والاهتمام بهم والانفعال بأمورهم وقضاياهم .. فمن فقد هذه الصفة فهو منطو على نفسه معتزل للناس وتلك سلبية تباعد بينه وبين تحقيق شيء من أهم أهدافه في هذا المجال.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله ﷺ ليخالطنا حتى كان يقول لأخ لي صغير:
«يا أبا عمير ما فعل النغير». أي العصفور
وروى الترمذي
«المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». جامع الأصول 4637

(2) حب الناس والتحبب إليهم .. فذلك من صميم الصفات التي تيسر جمع الناس على الخير
روى الإمام البيهقى في السنن الكبرى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال
«المؤمن مألف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف».
وروى الإمام مالك في مسنده عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:
«قال الله تعالى: وجبت محبتى للمتحابين في والمتزاورين في والمتباذلين في». (جامع الأصول 4776)
فحب الناس يوجب حب الله سبحانه وتعالى للمحب والمحبوب، وحاجة الداعية ملحة في تودده إلى الناس ليأخذوا منه ويهتدوا إلى الخير والصلاح والى الايجابية والعمل.
يقول الإمام البنا:
«ونحب أن يعلم قومنا وكل المسلمين قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم وكرامتهم إن كان فيها الفداء».

(3) حب الخير للناس: هذا الحب للخير لهم هو أصل أصيل فيمن يتصدى للعمل من أجل الإسلام إذ الأصل في الداعي إلى الله أن يكون مركز تجميع للناس يتحلقون حوله ولن يساعده على ذلك ويساعدهم إلا أن يكون محبا للخير لهم وما من خير إلا وأمر الإسلام به وما من شر إلا ونهي الإسلام عنه.
روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ
«إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مغاليق للخير مفاتيح للشر فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل مفاتيح الشر على يديه».

(4) بذل وتضحية: إن آفة العمل الإسلامي في أي زمان ومكان أن يقدم العاملون له فائض جهودهم وفائض أوقاتهم وفائض أموالهم فالأصل أن التضحية تكون بالأساس لا بالفائض (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة 11).
(لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران 92)
فهكذا رأينا في سيرة النبي ﷺ وفي تاريخ الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ما دانت لهم الدنيا بهذه السرعة في تاريخ الحضارات إلا بما قدموا من تضحيات.

(5) مداراة من يتقي فحشه:
فقد روى الامام مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رجلا استأذن على النبي ﷺ فقال
«ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة»
فلما دخل ألان له القول، فقالت عائشة: فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول، قال:
«يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من وادعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه».

وفي شرح الإمام النووي للحديث في شرح صحيح مسلم قال: في هذا الحديث مداراة من يتقي فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه، ولم يمدحه النبي ﷺ ولا ذكر أنه أثنى عليه في وجهه ولا في قفاه إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام.

اترك تعليقا