فصل في علو الهمة وإرادة العمل

فصل في علو الهمة وإرادة العمل – د. إيهاب خليفة

من المعلوم أن رغبة الإنسان وعزمه على القيام بعمل معين يلزمه خطوات محددة، وهي الرغبة ثم النية ثم الإرادة ثم العزم على القيام بهذا العمل، ثم القيام بالعمل نفسه، والصبر على المداومة والاستمرار.

وقد تأتي هذه الخطوات سريعة ومتلاحقة بحيث لا يلاحظها الإنسان بدقة. ويسبق خطوة النية العلم بأهمية الشيء الذي ينبغي القيام به، وكلما كان هذا العلم غزيرا وافرا والتأثر به قويًا كانت النية صادقة والرغبة قوية، وما يتبعها من خطوات كالإرادة والعزيمة أقوى وأقوى، وكما يقول علماء الصوفية: «إن طريق تزكية النفس وعلاج آفات النفوس يحتاج إلى الجمع بين أمرين: حلاوة العلم، ومرارة الصبر».

لكن الأمور لا تسير في خط مستقيم هكذا، وليست بهذه الصورة المبسطة، فمن المعلوم أن الإنسان بطبيعته البشرية تمر عليه فترات من الهمة وفترات من الفتور وضعف العزم لما ينتابه من نوازع ورغبات وانشغال بأمور هذه الدنيا ومشتتاتها.

وقد سُمي قلب الإنسان بهذا الاسم- كما يقال- لما يصاحبه من شدة في التقلب، وفي الحديث الشريف: «إن قلب المؤمن أشد تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانها»، فقلب الإنسان هو كمرآة تتعاقب عليها الصور والخواطر، وخاطر الخير يُسمى إلهامًا، ويكون الداعي إليه ملكًا، وخاطر السوء أو الشر يكون وسواسًا ويكون الداعي إليه شيطانًا، وقلب الإنسان لا يخلو من أن يكون متنازعًا بين ملكين تارة، أو بين شيطانين تارة، أو بين ملك وشيطان.

من أجل هذا كان الفتور أمرًا معروفًا في طباع ابن آدم، والحديث الشريف: «إن لأحدكم شرة وفترة، فمن كانت فترته إلى غير سنتي فقد هلك» يحسم هذه القضية. ويعني أن فتور الإنسان لو أدى إلى تفريط الإنسان في الأمور الأساسية فعند ذلك تكون الخطورة ويكون الهلاك.

ويحتاج علاج الفتور إلى أمرين: مخاطبة العقل والعاطفة. والقرآن الكريم خير مثال لذلك، وهو كتاب يخاطب العقل والعاطفة، وينعكس ذلك بالضرورة على إرادة الإنسان وعزيمته فيؤدي إلى تقويتها.
ألا ترى أن القرآن الكريم سُمي ذكرًا لذلك؟ وأنه قد يتكرر فيه ذكر بعض القصص وبعض المعاني وبعض الآيات بغرض التأكيد والتذكير، وفي ذلك يقول القرآن:
(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
وعلاج هذا الفتور يحتاج أن يكون للإنسان محطات إيمانية ثابتة لعلاج حالة الفتور هذه، ويحتاج إلى صحبة صالحة؛ فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والشيطان من الواحد قريب، ومن الاثنين أبعد، ومن الثلاثة أبعد.

وها هو عبد الله بن رواحة يقول لأصحابه بين الحين والحين: «هيا بنا نؤمن ساعة»، فلما علم بذلك النبي ﷺ قال: «رحم الله ابن رواحة، علم أن الإيمان يزيد وينقص».

والأمر في النهاية ليس بهذه المشقة، فمن المعلوم أن اجتهاد الإنسان في عمل أمر معين يتبعه شعور بالسعادة يدفعه لإنجاز هذا العمل مرة أخرى؛ حتى يؤدي إلى تعود الإنسان على القيام بهذا العمل، والأمر في المعصية كذلك، ولهذا يقول القرآن الكريم: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69)، ويقول علماء السلف: «إن من ثواب الطاعة الطاعة بعدها، ومن عقوبة المعصية المعصية بعدها». هأنذا قد أجبت لك على هذا الأمر من وجهة نظر نفسية.

اترك تعليقا