يُعتبر التلطف في التوجيه والنصح والإرشاد منهج تربوي نبوي، كان المصطفى ﷺ يسلكه مع أصحابه وكل من يتعامل معه، لما له من أثر في نفس المنصوح، لأن التلميح أولى من التصريح، خاصة إذا كان كافياً عنه، ومؤديًا للغرض منه.
وقد أثبتت الدراسات التربوية الحديثة أن الإشارة والتلميح في أغلب الأحيان تغني عن المواجهة والتصريح، خاصة عند الراغبين في إصلاح أنفسهم، من أصحاب المشاعر الحية والقلوب النقية.
والمربي الحصيف والموجه المتميز هو من يتخير الأسلوب الأمثل عند الأمر والنهي، والتوجيه والتكليف، والنصح والإرشاد، بما يراعي اختلاف أحوال وقدرات وإمكانات من يقوم بنصحهم وتوجيههم.
والمربي إذا اعتاد في تربيته لغيره أن يكون سهلًا مُيسرًا ورفيقًا شفيقًا، وكان دائمًا يختار الطريق الأرفق، والبديل الأحسن ولو على حساب نفسه، أحبه الناس وتقربوا إليه وتفاعلوا معه وشاركوه مشاعره.
وهذا قدوتنا رسول الله ﷺ كان خلقه التيسير والسماحة، وكان رفيقًا شفيقًا سهلًا لينًا حسن التعامل، يرأف بالناس ويبتغي التيسير عليهم، ويختار الأرفق بهم.
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ما خُيِّر رسول الله ﷺ بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم بها لله» [البخاري: 6126].
وكان رسول الله ﷺ يدعو بحاله ومقاله إلى هذا الأسلوب في دعوة الناس وتربيتهم، وفي توجيههم ومعالجة قضاياهم. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي ﷺ: «يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا» [البخاري: 6125].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله ﷺ: «دعوه وأهريقوا على بوله ذَنوبًا من ماء – أو سجلًا من ماء – فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين» [البخاري: 6128].
ويبقى الرفق واللين في النصح والإرشاد، قاعدة من قواعد التوجيه والاصلاح، وتظل المنهجية النبوية (ما بال أقوام)، أبلغ أثرًا في نفس المتربي، وأولى في جمع القلوب على النصيحة والتوجيه.
وكذلك يظل أسلوبهﷺالآسر للقلوب، الدافع للمدعو إلى الإرتقاء بحاله وتدارك ما فات، ماثلاً أمام أعيننا، في قوله لعبد االله ابن عمر: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل». فكانت النتيجة لهذا التوجيه الآثر من رسول الله لسيدنا عبد الله، أن قالت السيدة حفصة -رضي الله عنها-: «فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلًا» [صحيح البخاري: 1122].
من هنا وجب على أهل الدعوة والتربية، ورجال التوجيه والإرشاد، أن يحرصوا كل الحرض على ذلك، اقتداءً بالمربي الأول ﷺ وتطبيقًا لما وصلت إليه جهود التربويين قديماً وحديثاً، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. صدق الله العظيم.